مقالات مجد الوطن

رائحة الصابون

 

محمد الرياني

دخل الحمّام ليغتسل، نظر في المرآة، لفت نظره بزوغ حبات من الشيب في بعضِ شعر وجهه لاتزال مختفية لاترى بوضوح، علق منشفته على الحامل، شعر بأن العمر يجري سريعا، بحث عن صابون الاستحمام فلم يجد، انتقل إلى جهة أخرى، وجد قطعة صغيرة عليها صورة طفل تكاد تنطمس، شمّ رائحتها، عرف أنها لأحد أطفاله، ليس بمقدوره أن يخرج ويعود من جديد، فتح على رأسه الدش الدافئ، أمسك بصابونة الأطفال ومررها على جسده، سرح كثيرا، فاحت رائحة الطفولة على منابت الشيب، وضع كمية على يديه، غسل وجهه أكثر، استنشق رائحة الصابون، جلس للراحة بعض الوقت، دقت عليه زوجته الباب، فتح جزءا يسيرا منه، ناولته صابون الكبار، أشار لها بأن لاحاجة إليها الآن، خرج بفرحة الأطفال، لبس ملابس البيت المعتادة، استلقى على السرير ليستريح، قرّب أنفه من إبطه، انبعثت رائحة الماضي، تذكر أمه التي كانت تغسله بنكهة هذا الصابون وهو يتمرد، اقتربت منه زوجته، سألته! لماذا اكتفيت بالماء عند الاستحمام؟ سحب يدها، أجلسها ملاصقة له، اقتربت من خده المتورد كخدود الأطفال، رأت المنابت البيضاء الجديدة ولم تسأله، استروحت من خده رائحة الطفولة، قامت من فورها نحو الحمام، اغتسلت، أخذت قطعة الصابون ولاتزال غارقة بماء زوجها، استحمت كما يفعل الأطفال، عادت إليه بالرائحة نفسها، نظرا في مرآة الدولاب المقابل لنفسيهما ليرى الطفولة البائدة، صحا أحد الصغار من نومه، قامت إليه وهي تعاتبه على فعل الصغار، وضعته تحت الدش ليستحم، قربت منه صابونته، شم رائحة غير رائحته، قال لها وهو يضعها عند أنفه : رائحة بابا، رائحة ماما، قالت له: اسكت ياشقي، اغتسل بصمت، نشفت جسم الصغير، ألبسته ملابسه، انضم إليهما في الجلوس على السرير، نظر في عيني أبيه وأمه، نظرا في عينيه، قالا له : اليوم أخذنا صابونتك، تركهما واتجه نحو غرفة أخرى، أقبل نحوهما ومعه قطعة يستعملها الكبار عند الاستحمام، لوح بها أمامهما ، قال لهما على طريقته: غدا سأغتسل بها، وضع يد زوجته على فمه وأنفه، وضعت يده على فمها وأنفها، أغمض عينيه، حلم بأن الطفولة ماتت في الحياة، فزع وهي تنظر إليه، طلبت منه أن يكتفي بالماء عند الاستحمام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى