مقالات مجد الوطن

أصابعُ زهراء

 

محمد الرياني

اقتربَ موعدُ شراءِ الطلاءِ الأحمر للكراسي الخشب ، أصابعُ (خالة) زهراء التي تزيّنُ القوائمَ الاسطوانية الجميلة المصنوعة من خشب السدر هي الأشهر لمهارتها ودقتها ، قالت للصغير الذي أرسلته أمه وهو يقفُ على بابها قل لأمك: غدًا خالتي زهراء مشغولة بطلاء أربعة كراسي عند عمتي عائشة وبعده عندها ، باتوا تلك الليلة على الأرض والكراسي باتت في الخارج تستعد للطلاء الأحمر ، اشتروا من السوق أربعَ علب صغيرة لكل سرير واحدة ، أشرقت الشمس في اليوم الثاني على الكراسي بلا فُرش والصغار يتبادلون الإحساسَ الدافئ على الحبال الحارة ، جاءت خالة زهراء على موعدها وعلى أصبعيها آثار الطلاء من بيت عائشة ، رفعت كل سرير على أربعة من الأحجار الصغيرة لترتفع عن الأرض ، دهنت الرُّكبَ و تركت المنتصف بلا دهان ، لم يمضِ نصفُ النهار إلا وقد فرغت من الطلاء الأحمر ، سألت عما إذا كان هناك لون فضي أو أبيض من أجل الفواصل ، صاحوا فيها ومن أين لنا؟ قالت للصغير اركض نحو بيت عمتك عائشة ترى عندها علبة زائدة لونها رصاصي ، جرى وهو فرحٌ بأنَّ قائم السرير سيحمل لونين بدلًا عن لون ، وجدها نائمة على أحد الكراسي والرائحة الحمراء لاتزال تفوح حولها ، ضرب بيده على شعرها الخارج من غطاء رأسها فنهضت مفجوعة وهي تدعي على أمه مازحة ، قالت ماالذي جاء بك لتنهلني من نومي؟ قال لها: عمتي زهراء تقول …لم تدعه يكمل ،تقول: أُعطيك اللون الرصاصي ، قبلت رأسَه وقالت :فدىً لك ولأمك ولزهراء ، وصلَ البيت وهو يلهث من السرعة ، وضعت الخالة زهراء اللون الرصاصي فواصلَ في منتصفِ كلِّ ركبة للسرير وطبعت بقعةً على رأسِ كلِّ قائم ، قالت : انظروا (يجنّن) اللون الأحمر والرصاصي ، بقيت علبةٌ مغلقة ، تسللت الرائحة إلى بيتِ فاطمة ، جاءت مسرعةً من الباب الصغير في السور القصير الفاصل ، سألت ورأسها مكشوفة ألا أجد علبة زائدة معكم ؟ معي كرسيٌّ صغير وقد شحبت قوائمه ،قالت لها خالة زهراء حظُّك ، زادت واحدةً معهم ،هيا لنجدّده لك ، مازحتها الأم بأن تدفع قيمة العلبة ، ضحكت وهي تعرف أنها تمزح : إن شاء الله إذا تزوجت شقراء الصغيرة ، ردَّت عليها مع العافية إن شاء الله ،خرجت الخالة (زهراء) مع الجارة فاطمة ويدها ملطخة بالحمرة والكراسي تحت الشمس ، باتوا تلك الليلة على الأرض والحشرات الصغيرة تلسع في أجسادهم ، نشفت قوائم الكراسي من حرارة الشمس فأدخلوها ووضعوا عليها الفرش الجديدة ، كبرت شقراء وصارت عروسًا ، أعادوا تجديد الكراسي ونصبوها للعرس ، في الليل وضعت خالة زهراء أصابعها في فمها لتحيي العرس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى