مقالات مجد الوطن

‏عيدٌ في عيونِ الصغيرة

 

محمد الرياني

العيدُ يقتربُ ..يقترب ، تسألُني عن العيد ، فتحتُ لها الشُّباك ، حَملْتُها بيدي ؛ فقامتُها لاترقى لترى أوراقَ الحِناء ، أشرتُ بيدي إلى شجرةِ الحِنَّاءِ وعندَها عُصفورٌ صغيرٌ جميلُ اللون ، أعجَبَها لونَ العصفورِ فارتاحت نفسُها وظنّتُه العيد ، قالت : أريدُ العصفور ، وكأنَّه سمعَ صوتَها فانطلقَ من جِوارِ الحِنَّايَة نحوَنا وهو يزقزقُ ويغنِّي للعيد ، قُلتُ لها وقد لوَّحتُ بيدي : أنا لا أَعني العصفورَ ، أعني شَجرةَ الحِناءِ الخضراء ، قلتُ لأمِّها وقد أقبلتْ تنظرُ معنا: افتحي كفيك لنراهما وقد صبغتْها فإذا هما أحمران ، قالت : ما أجملَ كفيك ياأمي ، دنتْ إلى كفّها الأيمنِ وقبَّلته وهي تقول: فرحةُ العيدِ جعلتْهما حمراوين ، لم تنتظر كثيرًا ، طلبتْ أن تنزلَ نَحوَ الشجرةِ وتَركِ العُصفورَ يغردُ على الشُّباك ، جَزَّت لها أمُّها ساقًا قد امتلأت بالأوراق ، عادَ العصفورُ نحوَ الشجرةِ يُغنِّي وكأنَّه يريدُ أن يُفرحَ الصغيرة ، خَرسَت أمُّها الأوراقَ وسحقتْها على المطحنةِ ثمَّ وضعتْه على كَفيّ الصغيرةِ حتى يبسَ عليهما ، اشتكتْ من طُولِ بَقاءِ الحنَّاءِ على كفيها ، قالت لأمِّها متى سيكونُ مِثلَ لَونِ كفّيكِ ؟ ضحكتِ الأمُ وقرَّبتْ قِدرًا قديمةً ووضعتْ فيها الحناء ، شهقت البنتُ وهي ترى الحُمرةَ مثلَ كَفَّيْ أمِّها ، جاءتْ نحوَ أبيها لِتخبرَه بأنَّ العيدَ قد اقتربَ مع لون الحِنَّاء ، وقفتْ عندَ الشُّباكِ لِتشكرَ الشَّجرةَ التي سكنتْ مُنذُ زمنٍ لتنتظرَ العيد ، قال لها وهو ينظر في عينيها : ما أَجملَ عينيك ! جاءَ العيدُ ومعه نسائمُ هواءٍ فوقفتْ عند الشُّباكِ بملابسِها الجديدة ، كفِّها الأحمر وبناجرِ الذهب التي تتلألأ ، وفستانِها الأخضر ، شعرِها الأسود وابتسامتِها التي تحاكي العيد ، ضَمَّها أبوها وهو ينظرُ إلى الشجرةِ الخضراء ، فجأةً ! أقبلَ العصفورُ فَمدَّت يدَها لتمسكَ به فنقرَها على كفِّها ، سحبتْ يدها ومسحتْها على حَائطِ الشباك ، استروحتْ رائحةَ العصفورِ وقالت لأبيها : فمُ العصفورِ برائحةِ العيد ، قال للصغيرة: هذا شذى كَفّكِ بنكهةِ العيد ، سألت عن عيدٍ آخر ، قال لها : سَتكبرُ الشجرةُ وستكبرين معها وسنقفُ عند الشُّباك وقد ارتفعتِ الأوراقَ الخضراءَ دون أن أرفعكَ بيدي ، قالت: أصحيحٌ ذلك ؟ غَفَت على صدرِه والعصفورُ يغرِّد ، لم يعرفِ العصفورُ أنَّ الصغيرةَ نامت من الفرح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى