مقالات مجد الوطن

 مَلامِح

 

محمد الرياني

قال لها : أرأيتِ كيفَ مَضَى نصفُ النَّهارِ ونحنُ لم نلتقِ ؟أرأيتِ كيفَ صادَقْنا الجُدرانَ حَدَّ الهيام؟ مضَى نِصفُ النَّهارِ وكادتِ الشمسُ أن تُصافحَ الغروبَ وتَحتضنَ المساءَ وَنَحنُ نَتصافحُ بِمؤخرةِ الأيادي حتى لا نرى بعضيْنا ، مَضَى يَكتبُ لها على الأَشياءِ حَولَه بإصبعهِ دونَ إظهارٍ وهو يتسلَّى بِثمارِ الفواكه ، هذه حلوةٌ مثلَ طَعمِ المسَاءاتِ الغابرة ،وهذه مالحةٌ كطعمِ الاشتياقِ في الليالي المُقمرة ، ملأَ شرايينَه بالسوائلِ الباردةِ حتى كادَ أن يرقدَ على الطاولة ، حَلُمَ في غَفوةٍ قَصيرةٍ أنَّه يَحتضنُها وهو غيرُ مُصدِّق ، لم يُطلِ الوَقتَ فقد شَعرَ بِسطحِ الطاولةِ اليابسِ كَجفافِ السنينِ وهو الذي اعتادَ السُّباتَ على الفِراشِ المخملي ، سَئمَ من الغُربةِ التي أظلمتْ بالحُجراتِ وأتلفتِ بذورَ العِشقِ الأبدي ، طلبَ منها ذاتَ يومٍ أن يَكسرَ جُمودَ المكانِ وأن يذهبَ بها إلى مكانٍ بلا عُنوانٍ أو سقفٍ أو جدرانِ كي لاتتَّجِهَ نحوَ الحيطانِ أو تَنظرَ إلى السماءِ فتدعوَ على نفسِها أو على حظِّها البائس ، لم تكترث ؛ بل أصرَّتْ على أن تَنظرَ في كآبةِ الفَواصلِ بينَ الغُرفِ وفي دهانِها الكالح ، اقتربتْ سِتارةُ النَّهارِ من آخِرِ جُزءٍ لها لتَنغلقَ ويغيبَ النُّورُ عن مُنتصفِ اليوم ، تبيَّنَ له أنَّ اليومَ كلَّهُ ليلٌ مُظلمٌ بما فيه وقتُ السطوع ، أَغمضَ عينيْه كي لايرى شيئًا ، نامَ فرأى في أحلامِه أنَّ الليلَ طالَ كما لم يَحدُثْ من قبل ، نامَ كثيرًا وهو ينتظرُ النَّهار ، صَحا وهو يَأمَلُ أنَّ كُلَّ شيءٍ قد تَغيَّر ، وَجدَ النَّهارَ هو النَّهار ، والأشياءَ في أماكنِها تنتظرُ الكتابةَ على مُؤخرِتها من جَديد ، لم يأتِ منها رَدٌّ، بقيتِ الجُدرانُ عابسةً تُقطِّبُ بَصَرَها وهي تنظرُ في مَلامحِ الوجهِ الآخر، عندما يئسَ منها صوَّبت بصرَها نحوَه ، ابتسمت في وجهه فأشرقت الغُرف ، رأى الجدرانَ بألوانِها الحقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى