مقالات مجد الوطن

الغسيل

 

محمد الرياني

كانت تغسلُ ملابسَها في إناءٍ واسعٍ من حديدٍ عندما تعثرتْ قدمي ، سقطتُ على التراب، وقعتْ يدي اليمنى في إناءِ الغسيلِ واليسرى في التراب ، حاولتُ أن أنهضَ فوضعتُ يدي الملطخةَ بالتراب بينَ الماء، نظرتُ إليها بعينيْ خائف، أمسكتْ بيدي، يالجمالِ يدِها! بيضاءَ وعليها أسورةٌ من ذهب، ساعدتني لأنهض، غسلتْ يدي الاثنتين ثم عادتْ لتزيل آثارَ فعلتي، نفضتُ الغبارَ العالقَ على سروالي القصير وتركتُها تُخرجُ القطعةَ تلوَ القطعةِ وتضعُها في إناءٍ آخر، رائحةُ يدِها بقيتْ في يدي، تأخرتُ عن أمي التي تنتظرني، رأتني مضطربًا إذ جئتُها ، يدي النظيفةُ، رائحةُ الغسيلِ التي فيها استرعتْ انتباهَها، اعترفتُ لها بأنني سقطتُ في صحنِ غسيلِ زهراء، صاحت!! ألم تجد غيرَ زهراء لتقعَ في إنائها؟ ، غدًا تُسمِّعُ بك القاصي والداني وتجعلك أضحوكة، ارجع واطلب السماحَ منها، قبل ذلك استبدل ملابسَك بعد أن تغتسل ، فعلتُ وأنا خائفٌ وأفكرُ في مصيري، ولم أكن أصدِّقْ أن صاحبةَ تلك اليدين اللتين انتشلتاني ستفعلُ بي سوءًا، عدتُ إليها خائفًا أترقَّبُ ما ستفعله بي، رأتني من بعيدٍ وتظاهرتْ بأنها لم ترني ووضعتْ عينَها في صحنِ الغسيل، اقتربتُ منها وملابسها على الحبلِ مصفوفةً يلعبُ بها الهواء ، وقفتُ عندها فوثبتْ نحوي وألقتني في الصحنِ وأنا صغيرٌ يسعني مكانُ الغسيل، ظلّتْ تفعل بي كما كانت تفعل بملابسها، بينما أمي تتبعني وتصيح عليها : يازهراء دعي الولد في شأنه، أخرجتني وقد صَفَتْ بشرتي ، أدخلتني إلى غرفتها ثم أخرجتْ ملابسَ جديدة من صندوق ، قالت لي: هذه لك ثم أغلقتْ عليَّ البابَ لأرتديها، رأت أمي البابَ مغلقًا فأقبلتْ مسرعة، فرحتُ وأنا ألبسُ ملابسَ صفراء كبشرةِ صاحبتها، سمعتُ من الداخل صوتَ عراكٍ محتدم، خرجتُ وأنا في غايةِ الجمال، ناديت! أمي.. أمي، خالة زهراء، انظرا نحوي، تركتا العراكَ وأقبلتا نحوي، دخلتُ بين الاثنتين وهما يتعانقان ، بقيتُ بين ظلِّهما أنظرُ لبقايا الغسيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى