مقالات مجد الوطن

غبار

 

محمد الرياني

انتظرَ قدومَ الصيفِ حسبَ وعدِه ليقابله ، أجهدَ نفسَه كثيرًا في كنسِ البيتِ مع سيدةٍ مسنةٍ حتى يزيلَ كمياتِ الغبارِ المتراكمِ عند العتباتِ وفي المداخل، احتاجَ لأن يغتسلَ ويزيلَ بعضَ الغبارِ الذي علقَ من طرفِ المكنسة، جاءَ الليلُ وفوقَ أستارِه بقايا الغبارِ المعلقِ لم يهبطْ بعدَ الهبوب، وصلَ في الموعدِ الذي اتفقا عليه أولَّ الليل ، كان وقتًا مبكرًا وجيدًا بالنسبة له ، فُتحَ له البابُ فوجدَ الغبارَ لايزالُ مكانَه في مداخلِهم وعند عتبةِ الغرفةِ التي اُستقبِلَ فيها، أحسَّ أنه في مكانٍ بسيطٍ فتركَ بقدمِه أثرًا على التراب، تناولَ صاحبُ البيتِ مكنسةً وأخذَ ينظفُ أمامَ ضيفِه وهو يعتذرُ من الغبارِ الذي كان شديدًا على دارِهم التي تتجهُ نحوَ مهبِّ الريح، ابتسمَ يطمئنه ظانًّا بأنَّ الجوابَ سيكونُ لصالحِه ، جلسَ بجانبِه وقد نظَّفَ المكانَ من حولِهما وبدأَ يحاصرُه بالأسئلة ، اعترفَ له بأنه يساعدُ امرأةً مسنَّةً في أعمالِ البيتِ ونظافتِه ، استغربَ كونه يعملُ أعمالَ النساءِ ولاتوجدُ عاملة، لم يتركْ للخاطبِ المجالَ، قال له: إنَّ يدَ أختِه التي جاءَ يخطبُها لا تتحملُ الإمساكَ بعودِ المكنسةِ فكيفَ بِحمْلِ سطلِ التراب ونقلِه إلى الخارج؟! بلعَ ريقَ الحديثِ وتركَه يكمل ، لفتَ انتباهه وهو ينظرُ إلى النافذةِ من خلفه وقد اكتستْ بالتراب، خطرَ على بالِه بأنه يحبُّ أن ينظرَ من الشباكِ بعد انصرافِ الغبارِ ففطنَ إلى نظرته، همَّ بتناولِ المكنسةِ فاستأذنه الخاطبُ في الانصرافِ لارتباطه بموعدٍ بعده ، نظرَ إلى قامتِه وجسدِه فاعتذرَ منه بعد أن رأته أخته من وضعٍ خفيٍّ وأومأتْ بالرفض ، مسحَ بقدمِه آثارَ دخولِه على التراب وعادَ يستروحُ بيتَ أمِّه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى