مقالات مجد الوطن

رائحة القهوة

 

محمد الرياني

مالتْ لشربِ القهوةِ بشراهة ، لم يعهدها بهذا المستوى وهذا الهوس الجنوني لدرجة أنها تتعمَّدُ إثارةَ المشاكلِ للحصولِ على كوبٍ من القهوةِ الساخنةِ والاستمتاعِ به على أنغامِ موسيقى هادئة، لم يعمد إلى مضايقتِها فهو يحبها بجنونٍ ولا يريد أن يضايقَها ويعكرَ مزاجها، يريدُها أن تكونَ سعيدةً وأن تجلسَ مع صديقاتها وتذكرُه بخيرٍ عندهن، في قرارةِ نفسه لا يحبُّ هذه القهوةَ التي تسبب له شيئًا من الحساسيةِ وقد تربَّى على قهوةِ أمه ورائحتها التي تنبعثُ من الصباحِ وقبل بزوغِ الشمس، أمُّه تنصحه دائمًا بأنَّ الانجرافَ وراءَ أكوابِ القهوةِ في المقاهي الصاخبةِ يجلبُ وراءَه المشاكلَ على حدِّ تعبيرها، صارحَ زوجتَه يومًا بأن تترك القهوة ولكنها ترفض بشدةٍ لأنها أصبحتْ جزءًا من حياتها وأن اليومَ الذي لاتشربُ فيه قهوةً ساخنةً يصيبُها الصداع، بل يكادُ ينفجرُ رأسُها منه، اقترحَ عليها وهي بلا عملٍ وله تجاربٌ في إدارةِ المشاريعِ الصغيرةِ بأن تفتحَ لها محلَّا لبيعِ القهوة؛ فهي على علاقةٍ جيدةٍ بصديقاتها وسيأتين لها كزبائنَ دائمين وسيجلبن معهن أخريات، تحمستْ للفكرةِ وجمعتْ لها مبلغًا يكفي للمشروع، وعندهما قطعةُ أرضٍ على شارعٍ حيويٌّ قريبٍ من ارتيادِ الفتياتِ والشباب، انشغلتْ في فترةِ التحضيرِ عن صاحباتِها ولم تعد تتواصل معهن باستثناءِ بعضهن اللاتي أسرّتْ لهنَّ بأن لديها مشروعًا سيكون مفاجأة، اقتربَ المقهى من الانتهاء، وضعتْ لوحةً على المبنى بخطٍّ فوسفوري، انتظروا مقهى… وسمَّته باسمها،جعلتِ اليومَ الأولَ للافتتاحِ بالمجَّانِ وتهافتَ محبو القهوةِ على المحلِّ وفي الركنِ عازفٌ يعزفُ لإثارةِ الشجنِ وزيادةِ عددِ مراتِ طلبِ أكوابِ القهوة، العملُ ألهاها كثيرًا عن احتساءِ قهوتِها المفضلة، لم يصبْها الصداعُ المعتادُ ولا الرغبةُ العارمةُ لتناولها ، في نهايةِ اليومِ الثاني كانت الحصيلةُ جيدةً من المال، بل مشجعةً أيضا ، اقترحتْ إضافةَ بعضِ الأنواعِ بناءً على رغبةِ الزبائن، ازدادَ الدخلُ في اليومِ الثالث ، سألها وهما عائدان هل احتسيتِ مشروبَك الساخن، يبدو أن هذا اليوم الثالثَ على التوالي الذي لم تتناولي فيه شيئًا، قالت له: نعم ، قال لها والصداع، ردَّتْ عليه: تصدق! لم يزرني منذُ أن وقفتُ فيه لأبيعَ للزبائن، وصلتِ البيتَ مرهقةً ومتعبةً جراءَ الوقوفِ الطويل، سألها ما إن كانت تريد العشاء، زمَّتْ شفتيها لا، لا أريدُ عشاء، ليس لي نفْس، وهل تريدين كوبًا من المشروب الساخن ياحبيبتي؟ رمتْ نفسها على الفراشِ ونامت بلا عشاءٍ أو قهوة ، في الصباحِ سحبَ عنها اللحافَ وهو يحاولُ إيقاظَها للذهاب للمقهى فأعادتْه على وجهها، قالت لاأريدُ الذهابَ اليوم، ذهبَ بنفسِه ليتفقدَ المحلَّ بينما صديقاتُها وبعضُ الزبائنِ ينتظرون عندَ البابِ المغلق، عاد إليها ليخبرَها، صارحتْه بأنها تنوي إغلاقَ المحلِّ وتقبيله لمن أراد الاستئجارَ فلا جهدَ لها بذلك ، وضعتْ على الواجهةِ عبارةَ (المحل للتقبيل) في اليومِ الأخير همسَ في أذنِها ولاتزالُ على الفراش، ما رأيكِ في قهوةَ أمي على طاولةٍ خشبية ، هزَّتْ رأسَها بالموافقة، طلبَ منها أن تقومَ بنفسِها لإعدادِها قبل أن يداهمَها صداعُ العودة ، وضعتْ أمامَه طاولةَ الخشبِ ودخلتْ لإحضارِها ، هزَّ رأسَه مع صوتِ الهيلِ الذي تَدقُّه لتضعَه وسطَ قهوتِه المفضلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى