مقالات مجد الوطن

شرارة وبناتها حرائق!

 

قبيل حلول الساعة الثامنة مساءًا، حضرت (قناعة) إلى منزلي وفي يدها هاتفها النقال وبعض الاوراق المبعثرة والمنزوعة من مذاكرتها القديمة.
بعطفٍ وعناية فائقة استلمتها منها، وبمجملها قلبتها على ظهرها على المنضدة وكأنها لا تعنيني، فمسؤولية الكتابة موكلة إلى أقلام أصحابها. وحين أبلغتها أن الإحباط أصابني وإنني سأتوقف عن كتابة هذه الرواية عكر صفوها ورفضت شعور الاستسلام الذي كان في نبرة صوتي، واستحالت أن يكون الأسى هو ختام كل شيء.
فسخت عباءتها وعلقتها على الشماعة، ثم خلعت جزمتها الرياضية، وضعتها بجانب الباب تحت مرآة المدخل، أهوت بيدها على الثلاجة الصغيرة في إحدى زوايا الغرفة وأخرجت منها علبتي بيبسي وبايسون وقطع من أنواع البسكويت المختلفة.
كان شعرها البني موثوقًا برباط مطاطي ومنسدل على طول ظهرها. انحنت ببطء وهمست في أذني:
– ماذا فعلتِ يا الروح؟
– ابتعدت حتى لا أنفجر في البكاء أمامهم، ولم أجرؤ حتى على تأمل يأسي. عليّ أن أرتب كتاباتي التي جمعتها من بعض مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يضايقني إلا شيئين السرقة والقروب الأدبي الثقافي الذي أزالني تعسفًا ومنعني من الوصول إلى كتاباتي التي طرحتها به. ظللت لأسابيع ألوم نفسي لأني لم أقدم شكوى على الأقل أضمن بها حقي الفكري.
– أليس مدير القروب هو ذاته مدير صحيفتكم الإلكترونية؟
– للأسف نعم ولا!
– نعم ولا.. كيف تكون هذه بمثابة إجابة!؟
– توجهي إلى الحاسوب وأنظري لِمَ دونته قبل أعوام ماضية في الهارديسك الخارجي: “كان المدير مماطلًا، وكل تبريراته الذي ساقها بخيلاء لم تكن مقنعة بالنسبة لي، وأنا لا أحب العمل على أرض هلامية، لابد من حل يخترق هذه الهالة، فكرت ودبرت، خطر على بالي أن أقدم طلب بإرسال العضوية “الكرنية” عبر البريد الإلكتروني، فكان الرد مباشرًا من نائبه الذي رحب بعملي وتعاوني معهم ومرفق به بطاقة العمل الموقع منه، وحين علم المدير بالأمر افتعل مشاجرة كبيرة بينهما سمع عنها القاصي والداني، كانت نتيجتها إن نائبه ترك العمل معه وانفصل عنه”.
– ولماذا؟
– الكرسي لا يدور إلا بواحد لهذا كان من الصعب عليه أن يدور مكانه آخر ويقرر عنه.
– إنه نائبه! لعلها شكوك انتابتكِ.
– لم تساورني الشكوك يومًا بل كان يقينًا وكان كثيرًا جدًا عليّ. لن أعجز عن إنجاز المهمة فليس هناك ما يجعلني أتورع عن تنفيذ شكواي، فأنا لم أكن أتوقع الاختراق، وليس لدي وجل من مواجهة حتى لو كانت في بدايتها فاشلة، فقط سأتوقع دومًا العكس.
– وما هذا!؟
– هذا مقال اجتز منه وغير وبدل فيه وهناك من جعلني أقاتل السلطة.
– هناك أم هو ذات المدير؟
-……..
– ألهذا السبب تتراجعين؟
– لا.. هذا الموضوع قديم جدُا.. لكن المخترق مسيطر على ايميلي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي أنا مسجلة من خلاله فيها، بالإضافة إلى المصيبة.
– المصيبة! ما هي المصيبة التي ارتكبها الله يصيبه وقطع نصيبه؟
– سلبني كل ما كتبت حتى النسخ الاحتياطية كل شيء اختفى بمجرد إيصال كابل الهارديسك الخارجي بمنفذ الجهاز.
نظرت (قناعة) إلى الهارديسك المتصل بالجهاز ثم نظرت إليّ نظرة استفهام.
أخبرتها:
– هذا ليس هو.
ثم انتقلت (قناعة) إلى الكنبة، وسألتني:
– لماذا لم تذهبين إلى المحلات المختصة بصيانة وتقنية الحاسبات؟
– ذهبت وحاولوا وكانت النتيجة المواسية “الله يعوض عليك بخير”.
استفهمت (قماعة) وبصرها على الشاشة:
– والحل؟
أجبتها:
– أنا تعبت من هذه المضايقات والمهاترات والتفاهات.
– نعم انها تفاهات، ولأنها سخافات لابد أن تعيدي كتابتها فيداكِ حرة طليقة وليست مقيدة وعينيكِ ليست معصوبة حتى تظلين الريق.
– هذا الطريق وعر وطويل.
– أسلكيه وحتمًا يوم ما ستصلين.
الروح/ صفية باسودان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى