مقالات مجد الوطن

يوم في سوق أم الخشب

يوم في سوق أم الخشب
بقلم الأستاذ قالب الدلح
في زمن لم يكن لأفراد الأسرة من فراغ يقضونه في غير محله فالأب يعمل والأم شريكته في العمل والأولاد كذلك ،يشاركون في رعي الأغنام أو في حرث الأرض مع أبائهم وتنظيف الأرض الزراعية ، لذا نجد الطفل منذ بلوغه سن السابعة تجده يشارك في الأعمال البسيطة وإذا بلغ سن الثامنة يجلب الماء لأهله من الوادي وإذا بلغ العاشرة يسرح بالضأن والغنم وإذا بلغ سن الرابعة عشرة يعتمد عليه والده في الأمور المهمة كمساعدته في الحرث على الثيران والذهاب إلى السوق بدلا عنه ليعطيه الثقة في نفسه وليتحمل بعض من مسؤوليات البيت .
اليوم ننتقل بكم في جولة في سوق أم الخشب ( بيش حاليا ) الأسبوعي قبل خمسين عاما وكيف كان حال الناس ونشاطهم في هذ اليوم . هذا السوق الذي يقصده المتسوقين ممن هم في بيش وقراها ومن عدة جهات ولا يكاد يخل بيت دون الذهاب إلى هذا السوق لبيع منتجاتهم الزراعية وبعض الحرف اليدوية وكذلك ليشتروا كل مايلزمهم من احتياجات ولوازم البيت طوال الأسبوع ، حيث تنشغل الأسرة بأمور الحياة خلال الأسبوع من رعي الماشية وحرث الأرض وصنع لبعض الحرف التي هي مصدر رزقهم يبيعونها في هذا اليوم .
عن هذا يحدثنا الشاب على أحمد عن مشاهداته باللهجة العامية يقول كنت أنا وأبي نتجاذب أطراف الحديث ، في قَبَل العِشّة بعد صلاة المغرب قال ياعلي بكرة أبغاك تبره بالكبش الارقم تبيعه وتلفلف لنا من السوق إدام وبعض حوائج البيت قلت له أبشر بس المدرسة كيف ؟
قال : اسره عند عمك عيسى ترخص منه وقول له أبويه يسلم عليك ويقلك رخص لي أشى أبره بكرة السوق معانا جلب. أشل نفسي وأسري أجي على عمي عيسى على طرف الطراحة معاه كوز يتوضأ منه يبغى يروح يصلي العشاء .
قلت له : أمسيت ياعم عيسى .. قال : أهلا كيفكم وكيف أبوك ؟ قلت : كلنا بخير ، أبويه يسلم عليك ويقلك رخص لي بكرة معانا جَلْب أبغى أسوق السبت ، قال لي : طيب خلاص سوق ولا تتأخر يوم الأحد قلت له طيب ، أرجع البيت أقول لأبويه خلاص عمي عيسى رخص لي ،قال : تمام ، هيا نُروح نصلي عشا قلت : طيب ، بعد ما صلينا روحنا وجلسنا بسطة في القبل أنا وأبويه وولدتي وإخواني . أبوي معاه حزمة مشل يِفْتلْ شِكالْ للثور وولدتي تِظنْ لها مِصَلّه من طفي صافي تبغاها للمسجد .أنا وأخويه سالم حطينا الفانوس بيننا على الشبري نذاكر الدروس ، قال أبويه : خلاص ارقدوا أنت ياعلي بكرة معاك مسراح السوق ، أحط نفسي على الشبري اتقلب ساعة وأرقد ساعة فرحان بالمسواق لأول مرة أسوق وحدي ، غفت بي عيني مع قرب الصبح احِسْ الاّ أبوية ينبهني قم الصلاة ، نُروحْ نصلي صبح في المسجد ونْرَوِح ناجي على ولدتي قد حمّسَتْ قرص حالي من الليل وبسكت أبو ميزان وشوية مِشَبك والجبنة فايرة تصب لنا صبّة قهوة ونصَفِر أنا وأبويه وأقوم ألبس وِزْرة معايه مصبوغة وكرتة مقلمة أبيض مع أخضر واربط الشبحة على الوِزْره وأعصب على رأسي بالغترة وأحزب بشفرتي الغمارية تتشرب بها من شدة الحد ويعطيني أبويه زناقة قال لي أشكم بها جيب الكرتة حتى لا يسرقون عليك الفلوس من الجيب ، قلت : أبشر ، نروح نِضَحي الهوش ونعزل الكبش الارقم لحاله أطرح له شوية حب ذرة وأسقيه ماء بعدين أبويه يجيب عِقْوة يحطها في رقبة الكبش ويلفها عليه وأشل عصاتي وزنبيل معاية أربطه بمقران الرحل واركب على الحمار ويخَرِجْ معايه أبويه حتى خارج الدارة ، نلاقي أبويه حسين مسَوق معاه جَلْب غنم وضأن قال خليك مع أبوك حسين حتى تصلون السوق وإذا وصلت السوق اربط الحمار وامسك عقوة الكبش وخليك واقف في بطن السوق حتى ياجيك مشتري ولا أوصيك و في القبول ، نزلنا مع حرف الوادي الصباح ، الوادي مغيم من الغبار من كثرة هوش الجلب التي سوف تُجلب في السوق من الضان والغنم والجمال والبقر ،والناس الذي راكب والذي ماشي والذي مِحَمِل طِفِي والذي معاه حِبال للبيع والذي معاه عِجَار للبيع كل واحد معاه حِمْله لبيعه في السوق ، تخيل هذا المنظر الرهيب وأنت تسمع أصوات الهوش وأصوات الناس والحريم والرجال وألأولاد ، الوادي له رجّه جميعهم مِبَرهين السوق والوادي على مد بصرك نظيف مافيه ولاَشجرة ، وصلنا السوق أربط حماري وامسك عِقْوة الكبش وأسُوقه حتى مجلب الغنم في برحة بجنب الوالد عبده كسراوي رحمه الله ، جاني أول واحد مشتري دفع لي في الكبش ١٥ريال قلت له عادك ادفع وصلها٢٠ ريال ووقف أبيْت ما أبيعه أبغى زود ، أنتظر حتى نَهَره يجي واحد ويدفع ٢٥ ريال أشاَوِرْ أبويه حسين في البيعة قال لي بيعه ، قلت للرجل : هات فلوسك يعطيني خمسة وعشرين ريال وأحطها في جيب الكرته واشكمها بالزناقة وأقول لبويه : حسين أشا أدخل السوق ألفلف للبيت مقاضى قال : روح في القبول ، أشل زَمْبِيلي فوق ظهري والعصا في يدي وأنا خارج من المِجلَب أشوف دكان صغير على يساري للوالد عبده كسراوي رحمه الله رحمة واسعة وحوله المَساوِقة وهاذِيك الابتسامة الحالية التي تشرح الصدر وهو يلف قرطاس من الجرائد بخيط وهو يمزح مع هذا ويضحك مع هذا في جو كله سعادة. وأمشي شوية على يميني أشوف الوالد الشتيفي رحمه الله دكانه ملان من المساوقه وهم حوله في أُلفة ومحبه ،وأدخل السوق الداخلي من جهة أهل المخضارة والبعثران والشيح تشم ريحتها من بعيد اللي يشتري واللي واقف يتفرج والذي لفت انتباهي وجود القات بكثرة في أقرَافْ مرصوصة بعضها على بعض مع المخضارة وبعض حزم قات قدامه مُنَشّرة أمام الناس ولا واحد يدَوِر على القات إلاّقليل، وأمشي شوية مِسَفِل داخل السوق عند أهل البز أسمع واحديقول الجديد وصل الجديد وصل ثوب حرب صنعا وصل وهو عبارة عن قماش أحمر حرير مزخرف بالورود الحمراء اعجبني قلت أشتري لولدتي كرته ، قلت له اقطع لي كرته قطع لي ودفعت له فلوسه وأحطها في الزنبيل وأمشي شوية مِيَمِن خطوة تفصل السوق الداخلي وهو الآن الخط الذي ضيقته البلدية الشق الثاني من السوق أشاهد مساوقة حول رجل اسمع صوته من بعيد معظمهم بَدْو ومن بيش يبيع البن والحوار والهيل وكل لوازم البيت اتقرب منه الاّ هو ابويه مستور رحمه الله رحمة واسعة اسلم عليه وأوقف عنده واشتري بن وحوار وسكر يقرطسها في ورق جرايد مكتوب عليها بالانجليزي واحطها في الزنبيل أمشي شوية مِسَفِل إلا دكان جنيد عكيري دكانه مليان مساوقة أسلم عليه وأسفل شوية اشوف الوالد يحيى بر عز الدين شامي بحري ذلك الرجل الوقور ابتسامته لا تفارق محياه له دكان صغير يجمع كل ما يخطر ببالك من أدوات السباكة والنجارة وأدوات الكهرباء اسلم عليه وأنا على اوّلِي مِيَمنْ حتى أصل عرج عند أهل الحب الحَناطه أجلس تحت عرج أشوف الوالد ضيف الله مريع في يده مخياط يشك به عجرة حب والجمال بوارك في المحناط محملة أكياس ابوعرقة حب شوية وأشوف واحد يقول اربعة أكواس شاهي بقرش يعني شاهي على الجمر يَصب أربعة اكواس شاهي اشربها . إلاّ وأنا أسمع الصايح يصيح يقول يا أهل عقم طِهْمَز يأهل عقم طِهْمز الحاضر يبلغ الغايب بكرة برهوا العقم رُدُوه يقولكم الشيخ كل واحد يبره بضمده والحاضر يعلم الغايب ويكررها في كل مكان في السوق ، أيضاً اسمع صايح ثاني يقول يامَنْ لقي ثور أدغَمْ لبراهيم بر حسين من قرية الفارقة يِعْقل به على راعيه والبشارة عشرة ريال ، بعدما شربت الشاهي أجاني ضمأ، أشوف واحد يقول برِدْ برد معاه رجبية فوق كتفه باردة ومعاه كاس صغير أبيض أقول له اسقني ملأ لي الكاس مرتين بربع قرش الجو حار أشرب وأعطيه فلوسه وارجع في طريقي قِدِينا قرب الظهر عند أهل أهل المشبك والحلاوى ، ومع رجعتي أشوف الأستاذ جيلان في دكانه أسلم عليه هاذك الثوب الأبيض النيلي والطاقية الجيزانية قد لاقَت على رأسه والنظارة السوداء شخصية جميلة الله يرحمه ، اشْتَري مشبك وحلاوى وصُبّع زينب وحناني ومضروبة يقرطسها لي في ورق الجرايد ويلف عليها الخيط وأحطها في الزنبيل وارجع عند أهل المخضارة واشتري شوية مخضارة يلفها في قُرْف والقرف هو خَلْس شجرة الموز وأحطها في الزنبيل قديه مليان ، أعَوِد أروح اشتري زنبيل ثاني صغير أداول به وأروح عند الحواتة واشتري حوت مِشْوي قزاميل ويربطه بطفية واحطه في بطن الزنبيل وطير كسِيف ، وارجع عند أهل الموز ، موز اصفر عَيباني بلدي له طعم وريحه متلقاها اليوم اشتري منه واحطه فوق المقاضي الزنابيل قديها مليانهة واحطها عند الأستاذ جيلان وأقول له حس لي بالمقاضي حقي أبغى أروح أفك الحاملة حقي عند المجلاب ، أروح أفكها وآجي أحمل عليها المقاضي وأركب مروح القرية ، في طريقي مريت المساني على حرف الوادي لقيت بَيْشي واقف عند البير يبرح على ثور معاه ، قلت له هب لي طماطيس وبامية وبذجان وبقل يحطها لي في تَنَكة صغيرة ويحطها في حِبي واضرب الحمار وأروح البيت يقابلُوني أخواني الصغار يصيحون والله أحمد روح والله أحمد روح يبغون حلاوى أصِل البيت أوقف بجنب الطراحة وياجي أبوية ويخرط معايه المقاضي وهو مبسوط وتخرج ولدتي من العشة وترحب بي وتقول رَوحت لاعانني عنك تِعبْت اليوم ، مشاءالله عليك ماقصرت هيّ روح توضأ وتعال الغداء جاهز حيسية حامض والسمن في وسطها نتغدى سوى ونقوم نروح نصلي عصر وولدتي خرجت المقاضي وفرحانة بالثوب الجديد الذي شريته لها حرب صنعا والمخضارة وقالت خلاص من ذحين وشِلْ ما تسوق الا انت . وهذا وصف ليوم كامل في سوق أم ألخشب من هذا المقال نستخلص أننا بحاجة الى زرع الثقة في ابنائنا وتكليفهم ببعض الأمور ألعائلية ونصطحبهم معنا الى السوق حتى تكون عندهم دراية بأمور السوق وأنهم سوف يكونون عماد المستقبل من وقت مبكر آمل ينال هذا المقال اعجابكم واستحسانكم وصل الله على محمد واله وصحبه أجمعين.

تفسير لبعض الكلمات الغامضة
——————————————
تفسير لبعض الكلمات الغير مفهومة
*-الأرقم : ماخاط السواد البياض وخاصة عند الرقبة .
*-جلْبْ : وهو ما أعد للبيع من الماشية سواء كانت أغنام أو بقر .
*-كوز : وهو الأبريق المعد للوضوء.
*-صبّة من القهوة : وهي مجموعة من الفناجين سواء كانت للشاي أو القهوة
*-نصَفِرْ : نفطر
*-الكرتة : وهو الشميز الذي يلبسه الرجل
*-زناقة : مشبك من حديد .
*-الشّكم : تسكير الشيء أو خاطه بالخيط أو غيره.
*-نِضَحي للغنم : نطرح لها قصب أو شعير.
عِقْوة : هو حبل يربط به رقبة الخروف أو التيس
طِفِي : وهو ورق أو خوص الدوم او النخل
*-عِجَار : وهو وعاء مصنوع من الخوص يشبه الكيس يوضع فيه الحب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى