الأخبار الرئيسية

بينَ البنيوية والتفكيكية 

 

يسعى العِلم في العصر الحديث إلى دراسة الأعمال الأدبية، تلك الدراسة التي تنهض بالنصوص الأدبية من كونها حروفًا وقصصًا عابرة، إلى ما هو أكبر وأهم، فكثير من الكتابات التي تنبأت بأحداثٍ مستقبلية، والبعض الآخر منها قد صوّرت الواقع ونبَّهت منه، وفي دراسة هذه الأعمال ثمة قواعد لا بد من الالتزام بها، وهي اتباع منهج محدد في الدراسة، ومن أبرز مناهج دراسة الأدب، هي: الأسلوبية، والبنيوية، والتفكيكية، وغيرها من المناهج التي درست النص من الداخل والخارج، فجاءت المقارنة بين المناهج لمعرفة حدود الدراسة، مثال ذلك النقد الأدبي بين البنيوية والتفكيكية، مما أتاح في الوصول إلى علم حديث ينهض بالأدب من العباءة القديمة.

 

يرى أنصار البنيوية أن المعنى ثابت ومُستقرٌّ في النص، وأنه يمكن الوصول إليه من خلال إجراءات نقدية موضوعية، فالمعنى موجود في النصِّ، والدليل على ذلك أن الناقد يُقدِّم تفسيرًا بعد قراءته للنص؛ أي: إنه فهم شيئًا ما من النص، هذا الشيء هو (المعنى)، والمعنى هو ما كان يقصده الكاتب، ومن الناحية الأخرى يرى أنصار التفكيكيَّة أن المعنى في حالة تغيُّر وعدم استقرار، وأن الوصول إليه يتم من خلال تفسيرات لا نهائية للنص؛ أي: إن القارئ هو مَن يُحدِّد معنى النص، وفقًا لخلفيته الثقافية، وأن المعنى الذي توصل إليه هذا القارئ لا يعتبر هو المعنى الوحيد للنص، بل إن قارئًا آخر قد يتوصَّل إلى معنى آخر للنصِّ، ومع ذلك فإن كلَّ هذه التفسيرات يشملها ويقبلها النص؛ لذلك يرى التفكيكيُّون أن الكاتب ليس له عَلاقة بمعنى النص، وقد أعلن رولان بارت “موت الكاتب”؛ أي: إن المعنى “لا يقطن مع كتَّاب بذاتهم، ولكن يتولَّد عن طريق التفاعل بين التراكيب الواسعة للمعنى الثقافي وتفسيرات القُرَّاء.

 

ولذلك يمكننا القول أن مفهوم المنهج البنيوي يقصد بالبنيوية بأنها منهج نقدي مادي فكري، يسعى إلى دراسة الظاهرة في النص، وإلى دراسة البنية وكيفية تشكلها، فالبنية هي أساس الدراسة في المنهج البنيوي، ويهتم هذا المنهج بما هو داخل العمل الأدبي وليس بما هو خارجه، وفي ذلك يسعى الناقد إلى تحليل البنية ودراستها من ثم الوصول إلى النتائج التي يسعى لها، وتنظر البنيوية إلى قواعد اللغة، ووظيفة الكلمة وبناءها، وتدرس البنيوية جميع الظواهر الظاهرة في النص، سواء كانت ظواهر أدبية أو إنسانية..

 

النقد الأدبي بين البنيوية والتفكيكية ظهرت عملية التأثر والتأثير في الأدب العربي، ولم تتوقف هذه الظاهرة هنا بل ظهرت في المناهج النقدية أيضًا، وذلك ما نجده في النقد الأدبي بين البنيوية والتفكيكية، فالتفكيكية تأثرت بالبنيوية في بعض الزوايا، واختلفت معها في زوايا أخرى، ومن أوجه الاختلاف في النقد الأدبي بين البنيوية والتفكيكية، فإن البنيوية تدرس المعنى الموجود في داخل النص، وتنظر إلى أنّ هذا المعنى هو شيء ثابت ومستقر في النص، بينما تختلف التفكيكية في ذلك فهي تنظر للمعنى أنّه في حالة تغيّر غير ثابتة، وأن كل قارئ يُحدد معنى النص من وجهة قراءته، فتختلف المعاني بتعدد القُراء، وترى المدرسة التفكيكية أنّ المعنى يتولد من خلال التفاعل مع النص، وذلك عكس المنهج البنيوي، فحين اهتمت البنيوية بما هو داخل النص، جاءت التفكيكية واهتمت بما هو خارجه، ومن أوجه اختلاف النقد الأدبي بين البنيوية والتفكيكية، أن البنيوية تهتم للكلام بدلًا من الكتابة، بينما تهتم التفكيكية بالكتابة، فترى أنّ الكتابة أسبق من الكلام، أي أنّ الكلام وُلد من رحم الكتابة.

 

 

مفهوم المنهج التفكيكي تأخذُ هذه الكلمةُ  في أصلها المعجميِّ معنى الهدم والتخريب، وقد أخِذت الكلمة من استخدامها الأصلي حتَّى تُستخدم في ميدان الفكر لتصبح منهاجَ نقدٍ أدبيٍّ ومذهبٌ فلسفليٌّ في العصر الحديث، وأوَّل من استخدمها بهذا المعنى وأدرجَها تحت هذا المصطلح الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا رائد المنهج التفكيكي في كتابه “علم الكتابة”، حيثُ يعتَبرُ هذا المذهبُ أنَّه لا يمكن الوصولُ بشكلٍ من الأشكال إلى فهمٍ واستيعابٍ كاملٍ أو متماسكٍ للنص الأدبي مهما كان هذا النصُّ، فالقراءةُ وتفسير النصوص الأدبية بشكلٍ عامّ هي عملية ذاتية يقومُ بها القارئُ وكلُّ قارئٍ يمكن أن يفسِّرَ النصَّ حسب رؤيته وحسبَ مشاعره وظروفه المحيطة وتجربته التي تؤثر جميعُها في قراءته لهذا النصِّ، وبناءً على هذا الرأي فإنَّه من المستحيل أن يوجدَ نصٌّ ثابتٌ متكاملٌ متماسكٌ بذاته. [٢] كيفية القراءة التفكيكية تعتمد القراءة التفكيكية للنصوص الأدبية وغيرها على عدَّة نقاط أساسيّة، والتي تعدُّ هرمًا واحدًا لا يمكن الاستغناء عن أحد أركانه: الاختلاف: والذي يعدُّ أحد المرتكزات الأساسية التي تعتمد عليه القراءة التفكيكية، فتقصِّي الدلالات اللغوية والجذور الخاصة بها في عدد المفردات يظهِرُ جزءًا من عدمِ استقرار التفكيكة على كلِّ ما هو يقيني. مركزيَّة الكلمة أو العقل: يرى جاك دريدا أن التقاليد الغربية دفعت العقل إلى واجهة اهتمامها وأعطته السلطة الأولى في تحديد المعاني، وبذلك كان الاهتمامُ بالكتابة على حساب الكلام من أكثر الطرق تأثيرًا وهي التي قام عليها التمركزحول العقل، ولأنَّ الكتابة تكشفُ عن التغريب في المعنى ذاته، فرسمُ المعنى بوساطةِ العلامَات يعطيه الاستقلالَ والحريَّة عن مؤلفِه الأصليِّ ويعطيه المزيدَ من التفسيراتِ والتأويلاتِ. علمُ الكتابة: أو الغراماتولوجيَّة وأصلها الكلمة اليونانية “gramma” والتي تعني المكتوبَ أو المَنقوش، وهو دراسة العلاماتِ أو الإشاراتِ المَكتوبة، فقَد أسَّس جاك دريدا لتحديثِ الفِكر بقلبِ أفضليَّة الكلام على الكتابَةِ، حيثُ جعلَ الكتابة موازيةً للكلام، بعكسِ روسو الذي رآى أنَّ الكتابة تابعة ومتمِّمة للكلام، أما دريدا فقد تمسَّك بالكتابة لأنَّه لا وجودَ لمجتمع دون كتابة أو توثيق أو إشارات وعلامات.

 

 

ويمكن أن نَخلُص إلى أن التفكيكية تتضمن أربعة أوجه:

1- بنيوية جديدة: أي: إن التفكيكيَّة امتداد للبنيوية، فقد فتحت نافذة جديدة لدراسة المفاهيم البنيوية.

2- ما بعد البنيوية: أي: إنها أحد المناهج التي ظهرَتْ وتطوَّرت بعد ظهور البنيوية.

3- ضد البنيوية: أي: إنها ردة فعل للبنيوية، فقد ثارت ضدَّ بعض المفاهيم البنيوية.

4- منهج مستقل: أي: إنها مدرسة مستقلَّة تأثَّرت بالبنيوية، ولكنها تمتلك أسسها الخاصة، ولها مساهماتها، ولها عيوبها..

 

ودمتم بود..

 

د.علي بن مفرح الشعواني..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى