مقالات مجد الوطن

(رسالة .. في عصر الجليد )

 

في غابر الأزمنة، كان الخبر يأخذ أياما بل شهورا سفرا من بقعة إلى بقعة.
فترة قد تتزوج فيها المحبوبة غير عاشقها،
ويضيع خلالها الحق من صاحبه،
وتنتهي فعالية الخبر وتتبدل مجريات الأمور..
ربما كانت الوسائل بطيئة،
لكن المؤكد أن النوايا كانت في أغلبها طيبة،
واللهفة صادقة ..
والمشاعر دافئة.
اليوم تصل الرسالة في ذات الثانية،
لكن مرسلها في مجرة،
ومتلقيها في غير مجرة
– بعدا وزهدا –
فيرى القارئ الحروف ولا يتبعثر عزما ليرد،
وتقفز لعيني المقصود الكلمات ولا يحرك ساكنا لينقر ما يكافئها..
صقيعٌ لا يشبه غليان من خط كتابا بمداد من دمه،
وجليدٌ لا تُذبه سرعة القمر الصناعي.
هاهنا محب تناثرت مهجته خيبة لتجاهل من يحب مكنون رسالته،
وهناك أم تصدع فؤادها لقسوة ابن عاق صامت،
وبينهما متلهف لمعرفة إجابة سؤال مصيري والمتلقي بمستوى نبتون برودا وجمودا.
كان الباعث يخط بريده تحت ضوء القمر الحقيقي ويربطه بحب في ساق طير بارع؛
فتمر الأيام رتيبة تقتات على جأشه وتحمله مللا..
قد يكون..
لكنه انتظار يغلفه رجاء المتوثب اهتماما،
مع رفرفة جناح الزاجل يرف قلبه إثارة أن يستلم المبعوث إليه كتابه،
ويرد بدوره جوابه.
إيه أيها الحمام الزاجل..
استبدلنا لطف جناحيك بذبذبات تنهب الثواني،
فتقلصت المدة ..
ولكن طالت المسافات سنين ضوئية.
وليس أقسى من خيبة أمل جراء رسالة بوسم أنها “مقروءة” ولا رد عليها بدون عذر، حينها يُكفّن العشم وتُوأد التطلعات .
في عهود خلت، كان التبرير بضلال الحمام عن طريقه وسقوط الخطاب عن ساقه يُسكِّن القلب ويطيل الأمل،
فالجهل بالواقع ألطف من معرفة المرير الموجع،
أوليس الزاجل أكثر ظرفا وأدعى للأمل والترقب الجميل!؟

تبا لتطور التقنية
مع كسر الخاطر
وتأخر الأمنية.

د.فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى