مقالات مجد الوطن

رمضان والصحة النفسية 

 

د . ضيف الله مهدي

عندما يهل شهر شعبان ويقترب من منتصفه تجد الفرحة والبهجة والاحتفال بهلول شهر رمضان من الجميع الصغار والكبار والنساء والرجال .. هذه الفرحة وتزيين الأماكن والبيوت والشوارع فرحة وسرورا وبهجة بمقدم شهر رمضان دلالة كاملة على أن لشهر رمضان مكانة في نفوس الجميع وهي صحة نفسية هذه السعادة والفرحة والسرور والاستبشار بشهر رمضان .

وتعرف الصحة النفسية بأنها : حالة السلامة المتكاملة في النواحي الجسمية والذهنية والانفعالية والاجتماعية ـ فالصحة ليست مجرد الخلو من الأمراض والانحرافات والتشوهات ، كما أنها ليست مجرد الخلو من الأمراض الجسمية وحدها ـ بل هي صحة في جميع جوانب التكوين الإنساني خلوا من مرض مع اللياقة البدنية والقدرات النفسية والذهنية المتوافقة والنشيطة في حياة اجتماعية سليمة منتجة .

ويفيد الصيام في استهلاك احتياطيات الدهون وينظف الجسم من السموم الضارة التي يمكن أن تتواجد في التراكمات الدهنية. وهكذا يبدأ الجسم بالتخلص من السموم بشكل طبيعي نتيجة التغير الذي يطرأ على عمل الجهاز الهضمي على مدار الشهر، ما يتيح للصائم فرصة مواصلة اتباع أسلوب حياة صحي بعد رمضان.

وباختصار فهو :

– يضبط الجوع .

– ينظم الكوليسترول.

– يزيل السموم.

– يمتص المغذيات

– يعزز الصحة النفسية والعقلية.

– يضبط مستويات السكر الصحية

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)).

شَهْرُ رَمَضَانَ أُنزل فيه القرآن باعتبار أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، فهذا محمله عند طائفة من أهل العلم، أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أي: إلى السماء الدنيا، وبعضهم يقول: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أي بدأ إنزاله على النبي ﷺ في شهر رمضان، وإلا فمعلومٌ أن القرآن أُنزل في شهور العام، ولم يقتصر نزوله على شهر رمضان، فهذان قولان مشهوران، وقد جمع بعض أهل العلم بين القولين: بأن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا في رمضان، في ليلة القدر، قال تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) [سورة الدخان:3] وقال تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) [سورة القدر:1] . فالليلة المُباركة هي ليلة القدر، وهي من شهر رمضان، كما قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) فهذا جمع بين القولين: أنه نزل جملة إلى السماء الدنيا في رمضان في ليلة القدر، واُبتدئ إنزاله أيضًا على النبي ﷺ كذلك في رمضان.

وكذلك أيضًا بَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى هداية في التعريف بالمعبود، وبراهين وحدانيته، وما إلى ذلك مما يُحتاج إليه في هداية الخلق، فهو مُضمن بهذا القرآن، وكذلك الفرقان فهو يفرق بين الحق والباطل، ويفصل بين الحق والباطل؛ ولهذا كان من أسمائه الفرقان، فهو الفارق بين معدن الحق، ومعدن الباطل، يفرق بين الهدى الذي جاء به الرسول ﷺ والضلال الذي يتقوله أهل الجهالة والضلالة.

ويُؤخذ من قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ الارتباط بين رمضان والقرآن، فالقرآن كتاب الهداية، ورمضان شهر القرآن والصيام، فهناك ارتباط وثيق بين رمضان والقرآن، ومن هنا فإن القلوب ينبغي أن تُقبل على تلمس الهداية في شهر رمضان ما لا تُقبل في غيره، وإن كان ذلك مُتاحًا في سائر أوقات السنة، الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ كتاب الهداية أُنزل في هذا الشهر؛ ولذلك ألمح إلى هذا بقوله: هُدًى لِلنَّاسِ فهنا يحصل الاتصال، والتعلق والارتباط بالله -تبارك وتعالى- في هذا الشهر الكريم، حيث إن هذا الشهر وقت تنزل القرآن الكريم الذي قد تضمن ألوان الهدايات.

كذلك أيضًا الصيام له ارتباط بالقرآن، فينبغي أن يكون قلب الصائم محلاً قابلاً للقرآن والهدى الذي تضمنه القرآن، فينغي أن تُنقى القلوب وتُصفى لتلقي هذه الهدايات، فالصوم مظنة لذلك، والشهر مضنة لذلك لما فيه من تنزل القرآن؛ ولما فيه من تصفيد الشياطين، وفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النار، فأبواب الهداية مُشرعة، والموفق من وفقه الله -تبارك وتعالى.

ونزول القرآن في شهر رمضان كان بنزول: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [سورة العلق:1] وعلى القول الآخر: بنزوله إلى السماء الدنيا قبل نزول (اقرأ) فهذا قبل شرع الصوم؛ لأن الصوم -كما هو معلوم- لم يُشرع إلا بعد الهجرة إلى المدينة، إذًا هذا شهر القرآن قبل أن يكون شهر الصيام، فينبغي العناية بكتاب الله -تبارك وتعالى، والإقبال عليه، وأن يُعمر الليل والنهار بقراءة كتاب الله وتدبره، والتفكر بمعانيه، وما تضمنه من الهدايات.

ويُؤخذ من هذه الآية الكريمة أيضًا: فضل شهر رمضان، وأن الله جعله وقتًا لنزول القرآن شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فاختياره عن علم، والله يخلق ما يشاء ويختار، فيختار من الأزمان ما يريد، فاختار رمضان على سائر الشهور، واختار عشره الأخير على سائر لياليه، واختار ليلة القدر على ليالي العشر، وهكذا اختار من البِقاع المسجد الحرام، واختار مكة، وكذلك اختار المدينة مُهاجرًا لنبيه ﷺ إلى غير ذلك مما هو معلوم، وهكذا اختيار الذوات والأشخاص، فاختار الرسل -عليهم الصلاة والسلام، واختار منهم الخليلين: إبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام، واختار هذه الأمة لتكون الأمة الخاتمة للأُمم، وأفضل الأمم، وهم الآخرون السابقون يوم القيامة، وهم أمة وسط، جعلهم الله شهداء على الناس، وجعلهم عدولاً خيارًا، يشهدون على سائر الأمم يوم القيامة.

والفضائل المُجتمعة تدل على شرف الزمان الذي اُختير لنزوله .

عندما يهل شهر رمضان تصفد الشياطين والجن روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ).

وقد اختلف العلماء في معنى تصفيد الشياطين في رمضان على أقوال.

قال الحافظ ابن حجر نقلا عن الحليمي: “يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر.

وقال غيره – أي غير الحليمي – المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم…. وقوله صفدت أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت.

قال عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل اغواؤهم فيصيرون كالمصفدين، قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن بن شهاب عند مسلم فتحت أبواب الرحمة.

قال ويحتمل أن يكون تصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. قال الزين بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره.” انتهى، من فتح الباري .

ثم إن الظاهر تصفيدهم عن إغواء الناس، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله تعالى في رمضان.

وعلى هذا فتصفيد الشياطين تصفيد حقيقي الله أعلم به، ولا يلزم منه ألا يحصل شرور أو معاصي بين الناس .

الكثير يذهب من قلبه الخوف عندما يعلم أن الشياطين قد صفدت .

والصيام يجعل قلب الصائم رقيق يشعر بمعاناة الفقراء والمساكين والمعوزين ، فينفق عليهم ويتصدق .. يترفع عن الألفاظ البذيئة ، يتعامل مع الناس معاملة رائعة ويكثر من الاستغفار .. وبهذه السلوكيات وما سطرته هنا من سطور تزاد صحة الإنسان الجسدية والنفسية وتنمو وتكون في أفضل حالاتها .. رمضان مبارك عليكم وكل عام وأنتم بخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى