محمد الرياني
لفتَ انتباهه أن الغرفة القديمة التي هجروها لم تُفتح بعد، اسودَّ قفلُ بابها الأصفر بفعل التقادم، تذكّرَ أنهم اعتادوا أن يخبئوا المفتاح عند المدخل ، لم يتعب نفسه في البحث عنه، البابُ الأزرق الذي التهم جوانبه الصدأ شجعه على ركله كي ينفتح دون فتح القفل، الغرفةُ المظلمة في النهار تمتلئ بأشياء قديمة، بعضُ كتبِ الدراسة، ملابس رثة لصغار أصبحوا آباء، وألعاب أطفال لبنات تزوجن وبعضهن أمهاتٌ لفتيات متزوجات، رائحةُ الماضي تملأ الغرفة وخرجت مع الباب مع مرور الوقت بعد فتحه، جلس على أحد الكراسي الخشبية التي تمزقت بعض حباله، صوتُ وزغٍ عكّر عليه جلسته وهو يستروح الماضي، رمى باتجاهه قطعة خشب ليسكته، بدأ يقلّب أشياء الغرفة، بحَث عن أشياء تخصه، أولُّ شيء وَجده كانت وسادةً حمراء مخططة اشتراها أبوه من السوق الشعبي، لايزال يتذكر تعاركه مع أخته في أول ليلة على مَن يضع رأسه عليه قبل الآخر، وأنه احتال عليها بأن تكون له أول الليل ويعطيها منتصفه، نام الليل كله وبات رأسها على الخشب، اعتذر منها في الصباح ووعدها بأن تنام الليل على الوسادة ويضع رأسه على العارض الخشبي، ظل يفكر في أخته والغبار القديم يتحرك مع الهواء، اكتفى بالوسادة ليخرجها معه، ترك الغرفة مفتوحة ليوم آخر، حملها نحو أخته الكبرى، طرق الباب على غير في وقت لم يعتد عليه الذهاب إليها ، شهقت وهي ترى الوسادة بغشائها المخطط، مازحها وهو يضحك، من ينام عليها أولًا هذه الليلة؟ قربتها من أنفها وهي تستنشق رائحة الطفولة، سحبته إلى جوارها ليفعل مثلها، سرد لها الأحلام التي رآها وهو طفل عندما كان يضع رأسه عليها وينام، روت له حلمًا قديمًا رأت فيه المخدة ، قالت له : رأيتك كبيرًا تحمل إليّ شيئا وأنا بعيدة عنك، بكت على الطفولة والوسادة والسرير الخشبي ووالديهما، أراد أن يأخذها منها ويعيدها إلى الغرفة ليدفن الأحزان فاعترضته، قطعت خيوط أطرافها لتتفقد أحشاءها، لم يتغير شيء من الزمن القديم، ذهبت لتغسل اللباس القديم وهو ينتظر أخت الصبا، جاءته على عجل وقد غسلت اللباس، أدخلا القطن القديم في بطن الغشاء ثم خاطت الطَرف بإبرة في يدها، همت عيناه على اللباس النظيف ، أراد أن يترك لها المخدة بقية العمر، اعترضت طريقه كي يقتسما الليل لاستعادة الأحلام.