محمد الرياني
بعضُ الليالي تأتيك بالضياء على الرغم من السواد الذي ترتديه، النجومُ البعيدة على الرغم من كثرتها لاتحلُّ محل القمر، السواد يعظمُ حتى يلفَّ كل الكون، لكن هذا المساء جاء مختلفًا، ليلٌ بكل صفاته وصفائه، ونجومٌ بعيدة لاتكاد تلحق بالسواد لتنقش عليه بعض ضوئها، ولاحضورَ لبعض القمر حتى يفقد الليل بعض وحشته، أتتْ تبتسم في المساء وكأنها تفتح ثغرًا يمتلئ بالأقمار، ناشدها أن تبقى مبتسمة وأن تتلو على مسامع الليل أهازيج المساء كي يختلط الظلام بصوتها وبمنظر ثغرها اللامع، ظنت أنه يمازحها وأن الليالي تحضر مع كثير من الأفواه التي أنهكها عطشُ الحديث في المساء وحكايات الغرام، قالت : إن الفاتنات مثلي قد تحطمت ثناياهن في سبيل المساءات التي تغيب عنها الأقمار وتحضر آهات اللوعة، لم يكترث بكلامها، فكل اللاتي حضرن للسمر لم يجدن النشيد مثلها ولأفواههن بريق، ولأنه يعشق النجوم أشارت إلى نجمة تتألق في السماء تبعد كل البعد عنهما، غطّت بعظمتها كل الثريات حولها، قالت له بكبرياء: بُعدي عنك يشبه بُعدَ تلك النجمة التي افتتنتَ بها، أوَ ليس بينك وبينها البعد بين النجوم والأرض….. لم يدعها تكمل، ازداد المكان ظلمة على ظلمة في وجهه، تمنى أنها لم تحضر، ولم تفتح فمها لتنشد أو تقف عنده ليرى النجمة في الفضاء، غادرتْ والليل في أوله، لم تغب كثيرًا حتى جاءت مَنْ تسطع مكانها، ظلّتْ تنظر إلى الأرض لتريه البطحاء التي يكتب عليها العشاق حضورهم، جلس على التراب ودنت منه…. قالت له : لاتُطل النظر إلى أعلى فلن تأتيك النجوم على الرغم من كثرتها، تمرغّ بالتراب فلربما صنع منك الرمل نجمًا على الأرض.