محمد الرياني
لم يكن يعلم أن الظهيرة الهادئة ستخبئ له مفاجأة، عندما جلست أمامه لتتحدث أرجأ كل شيء يود الخوض فيه ، أمسك لسانه ليستمع ، أبقى قلمه الذي أعده لكتابة الحدث في جيبه، تسمرت عيناه كي لاتتبتعد ذاكرته عن حديثها، جاءت الظهيرة كوجه حسناء جاءتها البشرى بخبر سعيد ، قال : ما أسعدني في هذا النهار الفاتن! استسلم بسهولة وسلم نفسه طواعية بلا شعور، طلبت منه الحديث ولا يزال يجلس صامتًا بلاحراك، قالت كأنك لم تكن معنا، فوجئت بأنه يحفظ كل حديثها، حتى جلسته وطريقته في الكلام كانت مثلها، اندهشت منه والصمت يلفُّ المكان، ألقى كلَّ حروفه مثل أزهار الحديقة المجاورة للمكان ، لم يَبقَ للنهار الوهاج سوى أن تنفرج أساريره ويبتسم في قمة حضوره، قالت وهي تودعه وتودعهم معه: بعض اللقاءات لاتتكرر كلقاء هذا النهار ، على الرغم من وهجه إلا أننا كنا سعداء، لم تعرف أنها هي التي سكبت على لهب النهار ماء شلالها البارد ورسمت على الوجوه الغابرة ملامح البهاء ليكتمل عقد الجمال، همَّ بالخروج فاصطدم بالباب وهو يلتفت إلى الخلف، ضحكت بصوت مرتفع أشبه بشلال باردٍ اصطدم ماؤه بالصخور أسفل منه، داهمته جرأة عجيبة ليقول لها: هذا بسببك ولم يكمل، في الغرفة التي يسكنها ورده اتصال على نحو مفاجئ، أرادوه للقاء آخر والشمس تكاد تغيب عن النهار، اعتذر بسبب التعب والتفكير ، استلقى على السرير وسبح في نوم عميق، جاء النهار من جديد، حضرت بنفسها لتعاتبه على الغياب، فتح عينيه وهي تقف على رأسه في دهشة، قال لها : هل حضر النهار؟
ردت عليه بأن لا اجتماع بعد اليوم في منتصف النهار، دع كلَّ نبضٍ في مكانه، دع وهج النهار يبتسم لغيرنا.