محمد الرياني
يحتفلُ بكِ الناس يومًا وأحتفلُ بكِ أياما، يمجّدونك عامًا وأمجّدك أعواما، تحضرينَ عندهم في الربيع وتحضرين عندي في كل المواسم، قبلَ تتحرك قدماي وأنتِ تصل يدكِ إلى مواقع البراثن فتمتدُّ أصابعك الطاهرة لتزيل الأردان، وعندما أخطو أولى خطواتي تهبِّين للدفاع عني، كل شيء جميل لي؛ اللقمةُ الحارة تضعينها في فمي قبل أن تبرد، وقطعة الآيسكريم قبل أن تذوب، واللباس الأنيق قبل أن يسبقني إليه أحد ، ذات ليلةٍ اشتدَّ سوادُها لم تنم، وضعت ماءً في خرقة بيضاء وسهرت وهي تقول : فيَّ ولافيكَ ياصغيري، تنهشني الحمَّى ولاتضع مخالبها في جسدكَ الغض، وكلما بكيتُ أو توجعتُ ألقت بجسدها عليَّ ليهرب الوجع، كبرتُ لأكون طفلًا يذهب إلى المدرسة، اشترت حقيبة بُنيةَ اللون كما أذكر، وضعت فيها ثلاثةَ دفاتر وقلمَ رصاص وعلبة ألوان وبعثت بها ورائي كي تفاجئني، عدتُ نجيبًا يريد أن تراه في القمة ، قبلتُها على جبينها الأصفر حتى طبعتُ للتاريخ شهادةً على حبها، كبرتُ بعد الصغر ولاتزال تراني الصغيرَ الذي يحبو، والشقيَّ الذي يتمرد ليحصل على النقودِ أو اللعبةِ أو الاحتضان، رأتني أقفُ ليلةَ فرحي مع أخرى لأتجه نحو عالم آخر، دمعت عيناها فدمعت عينيَّ معها، احتفلنا بالفرح واتفقنا أننا لن نهجر بعض، خطَّ الشيبُ خطوطًا على جانبيْ رأسي ولم يحترق كلُّ شعري ولاتزال تقول ياصغيري، ولايزال قلبي يجري نحو قلبها ليستظل، اشتعلَ الراسُ شيبًا فغادرت مطمئنة، ماتت ولا أزال أحتفل بها، نامت تحت التراب بينما الأزهارُ التي زرعتها لاتزال تورق بشتى الألوان، غابت عن الدنيا وبقيت هي كلُّ الدنيا، يحتفلون بها يومًا بينما قلبي ونبضي يردد اسمها، أمي هي كل الثواني والدقائق والأوقات وهي كل اللحظات، أحتفل بها وإن حبس نبضَها الترابُ، يمجدونها طارئًا وأسمو بها سحائبَ حبٍّ فتطلُّ وتهطلُ وأنا أدعو لها كي تخضرُّ الأرض تحتي من فرط فرحي، هم يفرحون بها مرة، وهي تسكن داخلي فرِحا.