محمد الرياني
كأنه لم يكن هو الذي وقفَ ليستفسر عن الجديد ، هكذا كان يقول لنفسه! لسانهُ يتلعثم دومًا في حضور الفاتنات ، وينسحب تفكيره من رأسه حتى تكون جمجمته أشبهَ بصندوقٍ فارغ لاقيمةَ له، ذاكرتُه تعيش وحدةً غريبة، في ذلك اليوم جاءته الفرصةُ الوحيدةُ ليُفصحَ لها أنه يحبها ولم يفعل، أحبها وليس لمجرد أنه وقفَ أمامها ثم هرب من المواجهة، الصباحُ كان باردًا جدًّا لدرجة أنه طلبَ إطفاءَ أجهزةِ التبريد وزادَ عددَ الملابس حول جسده، عندما أدبرَ وجلسَ مُعطيًا لها ظهرَه حركَ لِحاظَ عينِه القريبة منها فإذا هي تفعل الشيء نفسه غيرَ أنه وقَعَ في بحرٍ مستديرٍ لا طاقةَ له به، عندما أدركت أنه اصطداها قامت لبعض شأنها، جعلت أعباءَها حجة لتتأوه وهي التي لم تفعل شيئًا إلى الآن، قال لها: ما أقسى أن ننسى أنفسنا فنظل بلا ذاكرة أو مشاعر تسكنها! سألته ولاتزال تمسك ببعض الأوراق تقلّبها بين يديها وتتأملها :هل مرت عليك أوراقٌ تشبه هذه الأوراق؟ ، لم يبقَ معها في المكان نفسه بل ذهب ليزيل البردَ في الطرقات البيضاء التي تريد أن تستدفئ أيضًا لو كان بها مشاعر ، لحقت به وهي تمشي مشية المستعجل تريد أن تطرد البرد مثله، تركها ودخل غرفته القريبة من الممر الأبيض ليرتدي معطفًا فوق ملابسه الكثيرة، عاد إليها وهو ينظر بعينين واسعتين نحوها، قالت وهي تعاتبه : ما أعمقَ بحر عينيك! لم يردَّ عليها وقد تغير المكان وامتلأ بغيرهما، قرَّرَ البعد عنها في ليلة حزينة نحو مكان دافئ ولاتزال ملابسه عليه، شعر عن بعد أنه غبي بسبب تركها وهي في تلك الحالة، عاد إليها من مناطق الدفء تدفعه اللهفة، فاجأها بعودته ولايزال البردُ سيّدَ المكان ، عندما رأته ألقت كلَّ شيء في يدها ودعته ليتخلص من الخوف والبرد وأن يرمي المعطف، اقترب منها ليعلن لها أن البردَ يسكنه ، أشارت إليه بأن المواسم لاتتشابه وأن عليه أن يبقى في العراء حتى ترى مايفعلُ به المطر، وضعَ يده على رأسه خوفًا من الهواء البارد والمطر، رجع إلى ملابسه من جديد، ضاقت ذرعًا من تصرفه فقررت التخلي عنه وهو يرتجف ، هكذا قالت لعينِه عينها.