محمد الرياني
حينَ اشتدَّ السوادُ بدت كلُّ التفاصيلِ قاتمة ، حتى عوارضُ السريرِ التي كان يمزحُ عليها بالتقلّبِ بين جنباتها لتحدثَ أصواتًا صمتتْ عن الاستجابة ، لم تعد تطلقُ موسيقَى المزاحِ التي يطربُ لها فتتحولَ الغرفةُ قاعةَ مسرح ، وَحدكِ – أنت- التي جئتِ من بعيدٍ وكأنَّكِ تجاورينَ الشمسَ لتعزفي اللحنَ الموعودَ ليغني أغنيةَ العودة ، عادَ السريرُ ليفرحَ عارضاه مثل جناحيْ طائرٍ فتألقت أغنياتُه وابتساماتُه ، أرادتْ أن تُحدثَ الفارقَ في عالمِ المستحيل ، صوتُ السَّريرِ الغائبِ استعادَ روعتَه ومعه بحَّةٌ جميلةٌ مِثلَ صَوتِ طَروبٍ تعشقُ عازفَها ، الشباكُ المطلُّ على الجزيرةِ المائيةِ التي يُحدثها أنبوبُ الريِّ المثقوبِ في جسده في الفناءِ تفاعلَ مع الشمس ، صورتُها الصفراءُ انطبعت في الماءِ بعدَ انحباسٍ قسري ، بعضُ الأوراقِ الخضراءِ اصطفتْ حولَ الماءِ مثلَ راقصاتٍ في ليلةِ عرسٍ توهجنَ من فَرطِ الفرح ، بينما العصافيرُ الصفراءُ استعادت التحليقَ وهي التي أنِفَتْ تحريكَها كي تقبعَ في السوادِ الحزين ، هناكَ في الغُرفةِ بابٌ أبيضُ عادَ لينفتحَ من جديد ، تدفعُه يدٌ صَغيرةٌ لترى مابداخله وتغلقه أخرى لتتيحَ له العبثَ البريءَ كما يحلو له ، عندما حانت ساعةُ العودةِ تَخضَّبَ كلُّ شيءٍ ابتهاجًا ، الماءُ اكتحلَ بلونِ الأشياء ، الشُّباكُ تلوَّنَ مع الأصيل ، العصافيرُ حضرتْ مع غيابِ النهار ، الفرحُ الجديدُ حضرَ وقتَ السكون ، أنتِ وحدكِ حضرتِ لتكتبينَ تاريخًا ، التاريخُ أراد لكِ الخلود ؛ كأنَّ التاريخَ مع الاحتفاءِ جاءَ لكِ ولأجلكِ .