ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يرد أن يبقى في دار ذل وهوان وضيق ، رأى بعين بصيرته أنه لن يستطيع نشر الدين ، ولن يقوى على تبليغ الأمانة للناس، وهو في مكة ، إذ ضيق المشركون عليه ، وعذبوا أصحابه ، وهو يعي : ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها )؛ لذا قرر أن يبحث عن أرض أخرى ينشر دين الله فيها ، وقد يعود إلى تلك الديار مرة أخرى عزيزا قويا ، يدعو أهلها للدين، وقد كان .
لم يكن متمسكا بما يحب ، ولكنه قرر أن يفعل الصحيح ، فهو يحب مكة ، وهي موطنه ، لكن الخير هنا هو تركُها إلى حين .
ولم يكن اتكاليا يترك الأمور دون تخطيط ، كان يضع الخطط التي من شأنها أن تؤدي لنجاح رحلته ، وهو يؤمن أن الله فوق كل ذلك قادر على أن يحميه ، ويبلغه مراده ، لكنه يعطينا الدروس المهمة ،وهي التوكل وليس التواكل.
كان منهجيا في فكره ، علميا في تخطيطه ، حين فكر في الخروج من مكة ، وحين أمر عليا – رضي الله عنه – أن ينام على فراشه ، وحين فكر في اصطحاب أحد ، وحين أحسن اختيار الصاحب ، ومَن غير أبي بكر- رضي الله عنه – يصلح لهذه المهمة ، وأجاد حين سلك طريقا يختلف اتجاهه عن طريق المدينة ، رغم بعده ، ورغم مشقته، ولكن للتمويه ، ووُفِّق حين اختار دليلا يستعين به على الطريق ؛ حتى لا يضل هو وصاحبه ، ولم يتنطع – وهو القائل “هلك المتنطعون” – لم يتنطع ، ورضي أن يكون الدليل مشركا ، لأنه يريد مهمة لا يتقنها غير عبدالله بن أريقط .
نزل في الغار ، وتلك مرحلة مهمة من الخطة ، وذات النطاقين تحمل الطعام وتنقل الأخبار ، وهي أمينة على ذلك ، تصعد الجبل ، وتعاني من تسلقه ، لكنها صابرة محتسبة ؛ فخلد التاريخ ذكرها ، كان يُطمْئِنُ صاحبه ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، ويطمئنه أكثر حين يقول له : “لا تحزن ، إن الله معنا” . ومن كان معه الله ، فمن ضده ؟!
وكان صاحبه – نعم الرفيق ، ونعم الأنيس – يخاف عليه ؛ فيتقدمه ويتأخر عليه ، إن خاف الرصد أو خشي الطلب .
ألم أقل لكم من غير أبي بكر يكون صاحبا ورفيقا؟!
لحقه سراقة ، وكان فارسا مغوارا مقداما ، ساخت قدما فرسه ؛ لأن الله بالغ أمره ، ومتم نوره ، وكان سراقة طامعا في الدنيا ، ولكنه رجع ولم يحقق دنيا المشركين ، وإنما نال دنيا محمد – صلى الله عليه وسلم – حين وعده سواري كسرى ، وفاز بخير الآخرة بإسلامه لاحقا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طارق يسن الطاهر
الطائف
الأول من محرم 1443 هـ