محمد الرياني
… ولأني أحملُ فوق رأسي شعَرًا أبيضَ أخفيتُه حتى لاتراني ، عندما اقتربتْ مني ابتسمتُ لها حتى ضحكتْ مجبرةً من روعةِ ثغري المبتسم، قالت في إباء : أوَ تبتسم؟! ألا تخشى النساء إذا ضحكنَ؟ كنتُ واثقًا من أنني سأهزمُ واحدةً رأسُها يصلُ عندَ منتصفِ جسدي، ازددتُ في الابتسام ، أسناني تنتظمُ كحباتِ اللؤلؤِ ولاتزالُ مكتملةً لم تنفصم واحدةٌ عن أختها، انبهرتْ من جمالِ أسناني ولايزالُ رأسي يُخبئ أسراره، أرادتْ أن تبادلني الحديثَ فاعتذرتُ لأنني في الطريق ولاتوجدُ مقاعدُ تجمعنا لنتحدث، بقيتْ واقفةً والهواءُ ساكنٌ والشجرةُ القريبةُ منا ثابتةٌ مثلنا لاتتحركُ أوراقُها، أشرتُ إلى الظلِّ القريبِ لنهربَ من لفحِ الشمسِ ونحتمي، طاوعتني بكل بساطةٍ وانطلقتْ نحوَ الظلِّ لا أعرفُ ماذا تريد أن تقول؟ وجدنا بقايا من الظلِّ لاتسع اثنين للحوارِ فآثرتُ أن تستظلَّ هي واكتفيتُ بتحريكِ أحدِ الفروعِ لأستظلَّ وأجلبَ بعضَ الهواء، فرحتْ وهي تسألني عن جمالِ أسناني وسرِّ دوامها، قلتُ في نفسي كأنها رأتِ الشيبَ في رأسي، ما أشدَّ مكرَ النساء! فجأةً وبلا مقدماتٍ ظهرتْ في السماءِ سحابةٌ غطَّتْ بعضَ وجهِ الشمس، تعبتُ من الوقوفِ وأنا أهزُّ بجذعِ الشجرة، حضرَ الظلُّ واختفتِ الشمسُ عندما كبرتِ السحابةُ وثقلتْ واسودت، قدِمَ الهواءُ كعاصفةٍ حركتْ كلَّ الأغصانِ والأوراق، ثم هطلَ المطر، نسيتُ من الفرحةِ شعرَ رأسي فكشفتُ عنه، رأتْ شيئًا كبياضِ أسناني، تجهَّمَ وجهُها وتغيَّرَ لونُ وجنتيها، هربت مني دونَ استئذانٍ والمطرُ في البداية؛ بينما العاصفةُ تحركهُ ذاتَ اليمينِ وذاتَ اليسار ، ابتسمتُ وحيدًا وتركتُ المطرَ يغسلُ بياضَ رأسي.