محمد الرياني
كان لساني يقول :جَزرَ… جزَرَ عندما يقولون لي قُل : زجَرَ… زجَرَ في دَرسِ الهجاء ، بينما أصبعي ترتجفُ من رهبةِ الموقفِ ومن منظرِ الألف باء، استقامَ لساني بعدَ التجاربِ فَأَلِفَ الحروف، وجدتُ الحروفَ فيما بعد كالأزهار؛ أقطفُها ثم أشمُّها ولاتتحسسُ يدي من قليلِ شوكِها الناعم ، رأيتُ السطورَ في ثنايا الدفاترِ كوجهِ السماءِ وعليه سحاباتٌ بيضاءُ فاتنة، استهوتني الكتابةُ صغيرًا فبعثتُ حرارةَ أشواقي وتحياتي للمسافرين المغتربين وقد نأتْ بهمُ الديار، فهمتُ أسرارَ الأبجدية، واكتشفتُ مكنوناتِ الكتبِ على بصيصِ الفوانيسِ وأصواتِ الحشراتِ الصغيرةِ التي تحطُّ مرةً على رأسي ومرةً على دفتري ومراتٍ على الفانوسِ من أجلِ الدفء، تسألُني عن التعليمِ في جازان التي تتفجرُ ينابيعُ التعليمِ فيها كالعيون، وتنهمرُ كالشلالِ البارد، وتهطلُ كسحابٍ دائم، كبرتُ والحروفُ تكبرُ وتتشكلُ كألوانِ الحدائق، مضى العمرُ وأحواضُ الزهورِ تتسعُ والعصافيرُ من حولِها تغرِّدُ وتحلِّقُ وترفرف ، في جازانَ يحتفلون بالتعليمِ كطفلٍ جميلٍ خرجَ إلى الدنيا ليكسونه أجملَ كسوةٍ ويطلقون حوله الزغاريدَ كي ينشأَ على الفرح، وإذا شبَّ وكبرَ جعلوه فارسَ القبيلةِ وعنوانَ فخرها، وإذا كبر أكثرَ دفعوه للعلا، في جازان يسمو التعليمُ ليكونَ مثلَ قِمَّةِ جبلٍ تعانقُ غيمةً مشبعةً بالماءِ فتخرَّ على رأسِ الجبلِ من الفرحة، وكالبساطِ الأخضرِ الذي تكثرُ فيه العذوقُ التي يحتفلون بها في مواسمِ الحصادِ حيثُ تحضرُ السعادةُ مجتمعةً في يومٍ مجيد، قلتُ لها وهي في حالةٍ من الحيرةِ والاندهاش ، يمتزجُ التعليمُ والاحتفالُ بالوطنِ ،يحضرُ العَلَمُ الأخضرُ مرفرفًا فترفرفُ الأعلامُ في أعينِ الجميع، وترتفعُ في الأيادي لتتحولَ الأماكنُ إلى ساحاتٍ من الاخضرارِ والبهجة، تسمو الحروفُ لتكونَ شعرًا، أقول لها ولاتزال تنتظرُ مني المزيد : هل رأيتِ حضورَ الشِّعرِ على المسرح في يوم الوطن ؟ وكيف غرَّد أصحابُه للوطنِ حتى ظننتُ المسرحَ مسرحًا للعصافيرِ المنتشيةِ وأرضًا لردائمِ الفلِّ العابقةِ، قلتُ لها: في هذا المكانِ حضرَ الأميرُ والوزيرُ والمديرُ والتاريخُ كي يصنعوا أمجادًا للتعليم، هنا عزفَ الطلابُ ألحانَ الإبداعِِ الخلود، ومن هنا مرَّتْ تفاصيلُ لاتمحى من ذاكرةِ الزمن، قلتُ لها وهي مُطرِقةٌ : عندما يحتفلُ التعليمُ في جازان بالوطنِ على الجميعِ أن يَصمُتَ ويُنصتَ ليرى الصغارَ وهم كالعصافيرِ يرددونَ أهازيجَ البهجةِ والكبارَ وهم كالنخيلِ ثقةً واعتزازًا وعطاء، قلتُ لها، هناالتعليمُ يجيدُ فنونَ التحليقِ كما هي جازان تحبُّ الارتفاعَ والشموخ ، ويجيدُ الغوصَ في الأعماقِ وجلبِ الدُّرَر، وعلى رؤوسِ السنابلِ يحلو الاستمتاعُ بألوانِ العذوق، وهل رأيتِ سنابلَ حمراءَ وبيضاءَ وصفراءَ كتلك التي تسكنُ خبوتَنا ومعاملنا؟ انتهى حواري معها ولم ينتهِ فلايزالُ للوطنِ ألفُ احتفالٍ واحتفالٍ؛ ففي كلِّ يومٍ ألفُ فرحةٍ وفرحةٍ ، دعينا ننتظرِ الغدَ لنفرحَ بالتعليمِ قيمةً وقاماتٍ ونسعدَ بمنجزاتِ الوطن.