محمد الرياني
… وهو ينظرُ لوجهِه في المرآةِ بعدَ ماءٍ فاترٍ من الماءِ اغتسلَ به ظهرَ وسيمًا على الرغمِ من العقودِ الأربعةِ أو تزيدُ قليلًا، كان فعلًا كذلك لكنه لا يهتمُّ بنفسه كثيرًا ، يحبُّ الضحكَ واللعبَ ولايكثرُ من غسلِ جسدِه وقد تعبتْ معه أمه كثيرًا لدرجةِ الضربِ والمطاردةِ من أجلِ أن يزيلَ رائحةَ اللعبِ ولفحِ الشمسِ الذي سكنَ في إبطيْه ودواخِله ، لاينكرُ بأنه مشاغبٌ حتى مع تقدُّمِ العمرِ ومع هذا يتجاوزُ منعطفاتِ أفعالِه بالمزاح ، دعتْ عليه أمُّه ذات يومٍ بأن يتزوجَ واحدةً تُخرجُه من عَينِ الإبرةِ على حدِّ تعبيرها فكان يضحكُ عليها وهو يتأملُ جسدَه الممتلئَ صحةً ولحمًا وهو يدخلُ في الإبرةِ ويخترقُها لدرجةِ أنه أحضرَ معه مرةً إبرةً صغيرةً وأخفاها وتعمَّدَ أن تقولَ له عبارتَها؛ قالتْها بعدما استفزَّها فأظهرَ الإبرةَ وقال لها سأفعلُ وأدخلُ وهربَ وهي تطاردُه بسطلِ الماء، ما توقعَه حصلَ بالفعل، عندما كان يتأملُ وجهَه في المرآةِ قرَّرَ أن يكونَ عاقلًا ورزينًا وأن يخرجَ من نَفقِ الإبرةِ إلى الفضاءِ الواسعِ ليرى الناسَ ماذا يصنعون؟ كانت رفيقتُه تقفُ خلفَه وهي تشتاطُ غضبًا، ألاتزالُ عند المرآةِ بوجهك الذي يشبهُ ولم تكمل…. تَذكَّرَ كلمةَ أمه ، لم تكنْ صادقةً في تعبيرها وهي تقفُ وراءه ؛ ربما في نظرِها أو تفسيرِ عقلِها الباطنِ الذي أوحى إليها بأنه كذلك، يتمردُ على بعضِ قوانينِ البيتِ ولكنه إذا لبسَ ظهرَ كأولادِ الأسرِ النبيلة، لم يُلقِ لها بالًا وهي تطلعُ وتنزلُ وتلقي بمفرداتِها كالمساميرِ الصدئة، هذه المرةُ لم يستجبْ لها، قال لها كما قالتْ له أمُّه: سأُجعلكِ تخرجين من عينِ الإبرةِ كي تُجيدي التعاملَ معي ، صاحتْ من الخوفِ لأولِ مرةٍ وقالت : حبيبي أنت اليومَ حُلو ، من أينَ أتيتَ بهذا الجمال؟ لم يصدِّقْها وتركَها تنظرُ إلى ملامحِ غضبِها عندَ المرآةِ وهي ترجوه أن يعود ، اشترطَ عليها أن يزيلَ المرآةَ وأن تطيلَ النظرَ في وجهه كي تعرفَه أكثرَ ، هزَّتْ رأسَها بخنوعٍ ووافقت ، وافقَ من جديدٍ وتراجعَ عن إزالةِ المرآةِ، يريدُها أن تتأملَ فتحةَ الإبرةِ جيدًا.