محمد الرياني
باتتْ ترسمُ لوحتَها المزخرفة، تحبُّ الرسمَ والفرشاةَ والألوانَ أكثر ، رسمتْ فتاةً جميلةً جدًّا وجهُها كوجوهُ الغانيات، جعلتْ شعرَها ممدودًا حتى نهايةِ لوحتِها، فتحتْ عينيها بحرًا من الأحلامِ والدموعِ وكأنها تنظرُ إلى قواربِ النجاة، أرسلتْ من عينها التي تنظرُ بحزنٍ دموعًا تكادُ تحرقُ اللوحةَ الحمراء، لبستْ فتاةُ اللوحةِ فستانًا أحمرَ مثلَ نارِ الحُرقةِ والألم، صبغتْ شفتيْها بمسحوقٍ مُتشققٍ لتعبِّرَ عن معاناتِها، وقَّعتْ توقيعًا مرتبكًا يوازي حجمَ تعبِها وقهرها، ذيَّلتِ التوقيعَ باسمِ المقهورة، وقفتْ تنظرُ إلى رسمتِها وعلى ملامحِها زَهْوُ الإعجاب، رفعتْها إلى أعلى وقرَّبتْها من المرآةِ لترى الفرقَ بين فمِ الصورةِ وفمِها، وجْهِ الصورةِ ووجهِها، تخيَّلتْ دمعتَها الحقيقيةَ والقطراتِ المتساقطةِ بالألوان، ارتدتْ ملابسَ كالتي على اللوحةِ وغادرتْ تُتَمتمُ بالأحزان، تركتِ الرسمةَ الحزينةَ في غرفةٍ كئيبةٍ قد مزَّقتْها يدُ الفُرقة، استلَّ من على طاولةٍ قريبةٍ لونًا رماديًّا باهتًا وقَلَبَ اللوحة، رسمَ عليها وجهًا مُشرقًا ، برزتْ أسنانُه المرتصَّةُ كحبَّاتِ اللؤلؤ، سقطتْ دمعةٌ رقراقةٌ تهمي بالفرح، أحاطَ جسدُه في الصورةِ بقميصٍ رماديٍّ جميل، جعلَ تسريحةَ شعرِه الأسودِ الكثيفِ باللونِ الوحيدِ الذي معه، بدا وجهُه وشعرُه الرماديُّ فاتنًا، خطَّ باللونِ تحتَ الصورةِ قلبًا صغيرًا على شكلِ توقيع ، عادتْ إلى صورتِها لتكتشفَ أن الحبَّ الرماديَّ قد هزمَ صورتَها الملونة، علقتِ اللوحةُ وجعلتِ الصورةَ الرماديةَ في الواجهة، غاب عن وُجُومِها لتعرفَ الفرقَ أكثر.