في الآية السادسةعشرة من سورة الانشقاق يقول تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) (16)،
فلا أقسم أي فأقسم و لا للصلة، بالشفق أي بالحمرة التي تكون عند مغيب الشمس حتى تأتي صلاة العشاء الآخرة، وقيل : الشفق الحمرة التي في المغرب ، فإذا ذهبت الحمرة فقد خرجت من وقت المغرب ووجبت صلاة العشاء .
والليل وما وسق أي جمع وضم ولف ، فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له ، فقد وسقها . والوسق : ضمك الشيء بعضه إلى بعض ، تقول : وسقته أسقه وسقا . ومنه قيل للطعام الكثير المجتمع : وسق ، وهو ستون صاعا، وطعام موسق : أي مجموع.
وقيل أيضا : وسق أي ما جن وستر وما حمل ، وكل شيء حملته فقد وسقته ، والعرب تقول : لا أفعله ما وسقت عيني الماء ، أي حملته . ووسقت الناقة : أي حملت وأغلقت رحمها على الماء ، فهي ناقة واسق.
وهذا كله يفيد بمعنى أن الليل قد ضم الكون بسواده و ستره بظلمته .
ثم يقول تعالى : (والقمر إذا اتسق) أي تم واجتمع واستوى .
اتسق : أي امتلأ واجتمع واستوى و استدار . وقيل اتساقه : امتلاؤه واستواؤه ليالي البدر.
ثم يقول تعالى في جواب القسم (لتركبن طبقا عن طبق).
لتركبن : بفتح الباء خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم أي لتركبن يا محمد حالا بعد حال ، لتركبن يا محمد سماء بعد سماء ، ودرجة بعد درجة ، ورتبة بعد رتبة ، في القربى من الله تعالى .
وقيل لتركبن السماء حالا بعد حال ، يعني حالاتها التي وصفها الله تعالى بها من الانشقاق مرة وردة كالدهان و مرة كالمهل ، وقيل : أي لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال ، من كونك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم حيا وميتا وغنيا وفقيرا .
فالخطاب للإنسان المذكور في قوله : (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) .
وقيل لتركبن بضم الباء ، خطابا للناس ، أي لتركبن حالا بعد حال من شدائد القيامة ، أو لتركبن سنة من كان قبلكم في التكذيب والاختلاق على الأنبياء .
وقيل حالا بعد حال ، أي أن الوليد يكون فطيما بعد رضيع ، وشيخا بعد شباب ، وقال بعضهم بأن كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه أمرا بعد أمر ، رخاء بعد شدة ، وشدة بعد رخاء ، وغنى بعد فقر ، وفقرا بعد غنى ، وصحة بعد سقم ، وسقما بعد صحة و منزلة بعد منزلة ، قوم كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة ، وقوم كانوا في الدنيا مرتفعين فاتضعوا في الآخرة : وقيل : منزلة عن منزلة ، ولتصيرن من طبق الدنيا إلى طبق الآخرة : وقال ابن عباس : الشدائد والأهوال : الموت ، ثم البعث ، ثم العرض ، والعرب تقول لمن وقع في أمر شديد : وقع في بنات طبق.
إذن قسم الله تعالى كان على تغير الأحوال على البشر سواء في دورة حياتهم أو مايلاقونه من شدائد، وهذا يخبرنا بأن نصبر على تغير الحال و أن نتقبل الابتلاءات فهذا حال الإنسان مع الحياة وعليه أن يصبر في الشدة و يشكر في الرخاء.
و ما أجمل و أبلغ النص القرآني فهو كلام الله المجيد.
د. فاطمة عاشور