مقالات مجد الوطن

 رقصةُ العمر

 

محمد الرياني

منذ أن سقط من الشرفةِ وهو يتابعها وآلامُ الكسرِ على ساقه اليسرى تعاوده، رأتْه وهو يسقطُ من أعلى ولم يفلحْ صراخُها في إنقاذه، من حسنِ حظِّه أن ثوبه عَلِقَ بأحدِ السياجاتِ فلم يسقط على الشارع؛ ولو سقط لهشمَ جمجمتَه رتلُ السياراتِ المسرعة، ظلَّ يئنُّ وهو معلقٌ ويتوجعُ بينما هي تضحكُ وتبكي على المشهدِ الدرامي، رأوه فأقبلوا إليه ليلحقوا به قبلَ أن يتخلَّى عنه السياج، نجحوا بالفعلِ في إنقاذِه وهو يضعُ يدَه على ساقِه اليسرى التي كسرَها السياج والجدار، عرفوا هذا من الورَمِ واللونِ الأسودِ الذي خطَّ خطوطًا على ساقِه البيضاء، عالجوه بالجبائرِ حتى استعادتِ الساقُ عافيتها ، رجعَ من جديدٍ نحوَ الشُّباكِ ليراقبها، كانت قد كبرتْ وأصبحتْ عروسًا، ألحانُ الصباحِ التي تطلقُها العصافيرُ هيَّجتْ قلبَ العاشق ولايزالُ كلُّ شيءٍ كما كان منذُ عهدِ الصبا؛ السياجُ والمكانُ المرتفع، إلا أنَّ الشارعَ توسَّعَ وكثرتْ السياراتُ العابرة، نظرتْ إليه وهي تحذِّرُه بيدِها لو نظرَ إليها بأنَّ رأسَه ستدوسُه الشاحناتُ الكبيرةُ التي تستغلُّ يومَ الإجازةِ لإزالةِ غُبارِ الأسبوع، خافَ وتراجعَ للخلف، تشجَّعَ وذهبَ لخطبتِها وازدادَ حظُّه الحسَنُ بأنْ وافقوا عليه، رأوْه يمشي وهو يغادرُهم مائلًا نحو اليسار، استشاروها بأنه وسيمٌ وأبيضُ البشرةِ ولكنه يمشي مائلًا، ضحكتْ دون أن يعرفوا السببَ وهي تحركُ رأسَها بالموافقة، طرأتْ عليه فكرةٌ بأن يطيلَ ساقَه القصيرة، نجحتِ الفكرةُ والعملية، أقاموا له الفرح، جاءتِ الفرقةُ الشعبيةُ لتحيي ليلةَ العمر، لم يتمالكْ نفسَه وعليه زينتُه، اخترقَ صفوفَ اللعبِ وأخذَ يرقصُ بتوازن، تهامسَ أهلُ العروسِ فيما بينهم؛ أليس هذا العريسُ الأعرج؟ متى استوتْ ساقُه؟ سرقَ الهواءُ همساتِهم، رقَصَ رقصةَ العمرِ وهو يتخيَّلُها تضحكُ وتبكي عند الشُّباكِ لحظةَ سقوطِه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى