محمد الرياني
عشاؤنا الليلة عند عمتي ( فاطم) قلتُ لصديقي ونحن نتمازحُ يكاد ضحكنا يخترق صمت الغروب، قال لي : مسكينةٌ عمتي فاطم ألم تجد غيرها لتسطو على أكلها؟ ثم كيف عرفتَ أن معها عشاء؟ التفتُّ إليه بخبثٍ وقلت ياغبي انظر إلى دخانِ تنورها، بقي بصيصٌ من نورِ الشمسِ يجعلني أرى ، قال صدقت ، همستُ في أذنه : لقد رأيتُها تحملُ بعضَ حباتِ الحبحبِ الصغيرةَ غير الناضجة، سيكونُ العشاءُ مختلفًا، اقتربنا منها أكثر، عرضنا عليها خدماتنا، ظنّتْ أننا من الجنِّ التي تحضرُ مع المغيب، قلنا لها بصوتٍ واحد :فلان وفلان، دعتْ علينا، ماالذي أحضركم هذه الساعة؟ لم ندعها تُكمل، أعدنا لها الحطبَ الذي يتساقط إلى قعرِ التنورِ وألحقناه بالعيدان المتفحمة، دعتْ لنا بالعافية، حميَ التنور، حَمَلْنا عنها القدرَ وبه عشرُ حباتٍ من الحبحبِ الأخضرِ المخططِ ولعابُنا يسيل قبل استوائه، جاءتنا وقد سبقناها في إدخالِ بعضه، قالت تمزح : كأنكم جياعٌ يا أبنائي، هززنا رأسينا، قربتْ سريرًا من التنورِ ودعتنا للجلوسِ والراحة، وضعتْ بقيةَ الحبحبِ الذي نُسميه ( شَيْ) ثم خبزتْ ونحن نرقبها وننتظر متى تزيلُ الآنيةَ الفخاريةَ التي تغطي بها على فوهةِ التنور، وضعنا رأسينا على السريرِ والهواءُ الباردُ يأتينا من كلِّ مكان، نضجُ عشاؤها ونحن نائمان، نبحَ كلبُ الجيرانِ على بعضِ المارة فنهضنا مفزوعين وهي تقرِّبُ الطعام، قالت : لولا نباح الكلبِ لتركتكما، ضحكنا على طيبتها ، أنتِ تمزحين ، جلسنا نأكلُ وهي تنظرُ إلينا دون أن تمدَّ يدَها، شبعنا وأردنا المغادرة، بقيَ نصفُ الحبحبِ والخبزِ الأحمر، قسمته بيننا، قالت لنا :كلُّ واحدٍ يعطي أمَّه نصيبها ، عادتْ إلى تنورها من جديدٍ لتوقده، قلت لصديقي ما رأيك أن نعودَ لنتعشى معها، يبدو أن لديها مزيدًا من الحبحب ، قال امشِ ياخائن، أمي وأمك تنتظران، أقبلتُ بالحبحبِ نحو أمي، صاحتْ فيَّ : كأنك قد تعشيتَ عشاءَ عمتك فاطم ، دعني أشم رائحةَ يدك، وضعتُ عشاءَ عمتي فاطم أمامها وقلتُ هذا من عندها، خاصمتني بعنفٍ وتركتِ الحبحبَ والخبزَ وأسرعتْ لتساعدها قبل أن يأتي موعدُ نومها وتبيتُ جائعة، لحقتُ بها ومعي الخبزُ والحبحب، جاء صديقي هاربًا من أمه وهي تطرده وتتبعه ، اجتمعنا سويًا نحن الخمسة، تناولنا العشاء ، تظاهرتْ بالشبع فقامت ووضعتْ في بطنِ التنورِ برَّادَ شايٍ قد اسودَّ من الخارج، شربنا الشايَ عندها، القمرُ يتربعُ في السماء ونوره يشقُّ الفضاء، حكتْ لنا أمي حكايةً وحكتْ عمتي فاطم حكاية، لم ننم تلك الليلة في بيوتنا، بتنا ضيوفًا نفترشُ الأرضَ عند عمتي فاطم وبعضُ الدفءِ يخرجُ من عينِ التنورِ نحوَ أجسادنا الصغيرة.