ساميه الصالح – مجد الوطن
بقلم … الدكتورة فاطمة السبيعي
رغم مضي تسع سنوات على أول ظهور للعملات المشفرة والتداول الفعلي عبر تقنيات البلوكشين (Blockchain) والدفاتر الموزعة (Distributed Ledger Technology)، فقد توسع نطاق الاستفادة من هذه التقنيات في ترقية البنية المعلوماتية لأنظمة التسويات المالية والعقود الذكية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن لم يتم إعداد إطار تنظيمي عالمي يوضح بدقة التنظيمات وإجراءات وسياسات عمل الأصول المشفرة وتقنيات “البلوكشين” و”الدفاتر الموزعة” في الأنظمة المالية، بسبب تحفظ الحكومات حيال العملات المشفرة خاصة في بداية ظهورها لوجود شبهات غسيل أموال و تمويل عمليات غير مشروعة، بالإضافة إلى تأخر المنظمات الدولية في خوض تجربة استكشاف العملات المشفرة وتقنية البلوكشين التي تقوم عليها، فمثلا لم تتم أول تجربة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلا في أبريل 2019، بإطلاقهم شبكة بلوكشين وعملة شبه رقمية سميت بعملة التعلم (Learning Coin) لغرض الاستعمال التجريبي ومعرفة كيفية استخدامها في الحياة الحقيقية والإشراف على عملياتها وتحديد الآثار الإيجابية والمخاطروالضوابط اللازمة في عملها.
ويتعقد المشهد أكثر بإعلان فيسبوك عن مشروع العملة المشفرة (Libra)، التي تنوي إصدارها وطرحها للتداول في النصف الأول من عام 2020، بالاشتراك مع أعضاء تحالف ليبرا (Libra association) الجديد من نوعه والمكون من 28 شركة عالمية، من بينها أكبر شركات الدفع والتحويل المالي في العالم مثل (MasterCard Inc) و (Paypal Holding Inc) و(Visa Inc)، ما أثار مخاوف وقلق عدد من الجهات الرسمية حول مخاطر هذا المشروع بما يتعلق بإدارة الأموال وأمن البيانات وانتهاك الخصوصية.
يتبين من خلال تحليل التقرير الرسمي الصادر عن فيسبوك للمشروع أن هناك نقاط قوة كامنة تجعل منه مشروعا يستحق النظر فيه وفرصة جيدة لمعالجة التحديات التشغيلية والتنظيمية التي تواجه العملات المشفرة واستخدام تقنيات البلوكشين في الأنظمة المالية، وتتمثل هذه النقاط فيما يلي:
أولا، تختلف هذه العملة عن غيرها من العملات المشفرة في كونها معلومة المصدر وتمتلك قيمة مادية لارتباطها بسلة من العملات الرسمية، وبالتالي يمكن إخراجها من الفضاء الإلكتروني واستبدالها بمال فعلي.
ثانيا، للخمس سنوات الأولى من انطلاق المشروع، تم بشكل خاص تصميم شبكة بلوكشين ليبرا (Libra blockchain) من نوع (Permissioned) الذي يستلزم الانضمام إليها ترخيصا خاصا من مؤسسيها، وبالتالي ستكون عمليات دخول وإدارة الشبكة والتدقيق على معاملات الدفع ومراقبة أنشطة المتعاملين وكشف هوياتهم وحفظ بياناتهم جميعها خاضعة ليد مؤسسي تحالف ليبرا. اضافة لذلك، أكد مدير مشروع ليبرا (ديفيد ماركوس) في جلسة الاستماع أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ على الامتثال للمتطلبات القانونية والتنظيمية، ما يعني فرصة للعمل على تطوير شبكة “بلوكشين” متوافقة مع تنظيمات الإشراف والمراقبة المالية كإجراءات التعرف على العملاء وبذل العناية الواجبة (KYC) (CDD) المتعلقة بمكافحة غسل الأموال والارهاب (AML/ CFT) وغيرها.
ثالثا، تم العمل على تهيئة شبكة “بلوكشين ليبرا” لتكون قادرة على معالجة عدد كبير من المعاملات، فلدى “فيسبوك” وحدها 2.4 مليار مستخدم من مختلف دول العالم، ما يتيح فرصة اختبار وقياس فاعلية الشبكة من حيث قابلية التوسع (Scalability) التي تعتبر من التحديات والمشاكل التي يعمل عليها الباحثون ومطورو البلوكشين في الوقت الحالي.
وبالتالي، فإن قيام مشروع العملة “ليبرا” بحجمه العالمي يبني تجربة جديدة من الممكن أن تساهم في تقليص الفجوة المعرفية بين الباحثين والمطورين والمشرعين والمنظمين في المجال، من خلال استفادة جميع الأطراف من معرفة وفهم المعايير التشغيلية المطلوبة ووضع المتطلبات التنظيمية والرقابية الآمنة على العملات والأصول المشفرة وتقنيات “البلوكشين” و”الدفاتر الموزعة”، الأمر الذي سيؤدي إلى فتح باب لاستحداث نظم دفع وتقنيات مالية جديدة تلامس آثارها حياة الأفراد وعمل المؤسسات بكافة أنواعها.
ولكن يلاقي مشروع “ليبرا” مصيرا مجهولا حاليا لاعتراض السلطات المالية عليه بشدة، بسبب الممارسات السيئة من فيسبوك بشأن انتهاك حماية البيانات وسوء استخدامها، والمخاوف من مخاطر توسع فيسبوك في نشاطاتها وأدواتها وآثار نمو سيطرتها على حياة المجتمعات، وبالتالي وضع أمامها عائق كبير يجب أن تتخطاه ليرى هذا المشروع النور، وأصبح المهتمون بهذا الأمر في حالة من الترقب وانتظار اتخاذ السلطات القرار النهائي على المشروع.