وفجأة قطع حوارنا اتصال أمها آمرة إياها بالنزول والعودة إلى البيت.
تركت أمها صدى صوتها، كأنه تذكير عقابي مقصود، في حين جريان الوقت أبعد السائق ونام، فتزيد قناعة من تكرار اتصالاتها عليه دون نفع يذكر باستثناء كلمة واحدة ظفرت بها منه: “نوووووووم”.
مضت قناعة تحدق مرة في ساعة الحائط.. وأخرى تمعن النظر في قسمات وجهي التي دلت على ابتهاجي، ثم مالبثت أن رمت بعباءتها فوق كاهلها تنتظر بارتباك متى يستيقظ السائق الراقد ويقلها إلى منزلها. أخذت ورقة وقلم وشرعت تكتب بخطوط متباينة ما بين أحرف كبيرة وصغيرة كالذي يتنفس في حالة غرق.
– الانتظار المرير يسبب التذمر والضجر.
– الضجر رُبما.. أما التذمر إلى الآن لم يظهر عليك، أطردي الخوف والحيرة وهاتفي أمك و……
قاطعت كلامي قائلة:
– إن أمي ستلقي باللؤم عليّ وسأعجز عن التبرير لها وإقناعها.
– اتصلي وأنا سأكلمها.
– أخشى أن
– أن ماذا؟ أن تقول كلامًا لا يروق لي.. لا تدققين كثيرًا، فلقد بلغني من القول في هذه الدنيا أكثر مما ينبغي لي لكن من وراء ظهري.. هيا أضربي الأزرار ودعيها تصيح بالرنات، فالليل توارى والفجر سيطل علينا وأنتِ مترددة.
أعادت(قناعة) الاتصال على آخر رقم في سجل المكالمات وقبل أن ترفع إصبعها وبدون رنين فتح الخط ووصلنا توبيخ أمها: ” ألم يكفيكِ هذا السمر أم ستهجعين عندك؟ لقد مكثتِ في بيتهم أكثر من اللازم، الو.. الو.. أتسمعينني؟”
لم تجبها قناعة وسلمتني الجوال بعد أن جعلت وضعيته على مكبر الصوت.
– ألا تخجلين من نفسك؟
– ألو.. السلام عليكم.. كيف حالك خالة؟
– الروح؟
– هلا
كانت نفسيتها متأثرة تأثيراً شديداً، أطلقت ما بها من غضب وحزن.
– هل يرضيكِ أن أقضي الليل وحدي بين يأس ورجاء، أقف على باب الشارع اترقب عودتها في هذا الظلام المدلهم والزقاق الموحش؟ ، السيدة (قُنيعة) لم ترد عليّ وقطعت عني اتصالاتها، فرابني من أمرها ما رابني، ثم طلبتها مجددًا وكان أكبر همي أن أسمع صوتها.. اطمئن إنها تحيا بسلام.
كان يجب عليكِ أن تنكرين عليها مكوثها إلى هذا الوقت وأمها ليس عندها من يؤنسها.. كلامي صح أم إنه خطأ؟ ردي لماذا لا تجبين…؟
– صح الصح
– وطالما إنه صح الصح لماذا لم تقولين لها؟
– هي…
قاطعتني في مدخلي وأخرجتني من مدخلها لمخرجي!
الروح/ صفية باسودان