محمد الرياني
كلُّ ما في الأمرِ أنه نسيَ البابَ مفتوحًا، لم يكن يقصدُ فِعلَ ذلك؛ في الآونةِ الأخيرةِ يُكثرُ من النسيان، لا يعرفُ إن كان بدايةَ مشكلةٍ حقيقيةٍ أم أنه نسيانٌ عارض، مع أنَّ البابَ لم يدمْ مفتوحًا طويلًا إلا أنَّ بعضَ الحشراتِ وجدتْها فرصةً كبيرةً وكأنها كانت تختبئ قريبًا لتدخلَ إلى المنزلِ الواسع ، نملةٌ سوداءُ جائعةٌ بجناحين أبيضين سارعتْ في التحليقِ لتلسعَ كلَّ شيءٍ تصادفه دون تفريق، غادرتِ النملةُ حاملةً معها قطعةً صغيرةً على قدرِ ماتحمله ولايزالُ البابُ مفتوحًا، جاءت ذبابةٌ وعلى جناحيْها بقعتان حمراوان من تفاصيل جناحيها، لم تكن كسائرِ الذباب، بدتْ رائحتُها طبيعيةً بلا نَتَن، أشفقَ على الذبابةِ ولم يشأ أن يغلقَ الباب؛ فالنملةُ التي تلسعُ بعنفٍ ليستْ أفضلَ منها، لم تجد الذبابةُ الجائعةُ شيئًا كريهًا تعكِّرُ به الأجواءَ فغادرتِ من البابِ المفتوح، أراد أن يغلقَ البابَ كي لا تدخلَ نحلةٌ تركتِ الشجرةَ الوحيدةَ القريبةَ من البابِ وجاءت لتصنعَ الرحيقَ من قوارير السَّكرِ المفتوحة ، يبدو أن عيونها تَرى مالا يُرى، أقسمَ بأن تدخلَ وتصنعَ شهدًا، لأول مرةٍ يشاهدُ نحلةً تغزو مثل هذا الغزو بحثًا عن ذراتٍ بيضاءَ حلوةَ الطعم ، حظُّ هذه النحلةِ ساقَها إلى عُلبِ الملح، هكذا عرفَ بعد أن تأكدَ من العلبِ المرصوصة ، بعد أن غادرتِ النحلةُ ركلَ البابَ بقدمِه حتى انغلقَ تمامًا، تنهدَ من حالةِ النسيان التي أصابتْه فقد جعلتْه يترك البابَ مفتوحًا ومع هذا لم يكن للحشراتِ نصيب ، فتحَ البابَ من جديد، كان على ظهرِ البابِ الخلفيِّ حشراتٌ مُنوعةٌ تريد أن تدخل، لم تكن بينه وبينها لغةٌ مشتركة، فتحَ لها البابَ لتدخلَ وجعلها تبحثُ عن علبِ السُّكرِ لتَطعمَ منها، هذه المرةُ ظل يحتفظ بعُلبِ الملحِ معه ، كان في غايةِ الشفقةِ على النحلةِ التي غادرتْ وفي بطنِها ذراتُ الملح، تمنى أن تعودَ لتُغيِّرَ الطعمَ المُرَّ .