تبادلْنا الوداع، وتبادلنا المناديل، حملتْ دموعي معها واحتفظتُ بدموعها وطارتْ بها الطائرة، في ذلك اليوم كانت السماءُ صافيةً تمامًا، مرَّتِ الطائرة ، صغارُ الحيِّ ظلوا يهتفون : طائرة…. طائرة، وأنا أهتفُ أمامهم باسمها، الصغارُ يضحكون هذه طائرة وأنا أضعُ دموعي على دموعها وأنشجُ وأقول معهم طائرة … طائرة، صفقوا لي وهم يرددون ببراءةٍ طائرة… طائرة حتى اختفتْ وهي مسرعةٌ صوبَ الشمال، رسمتُ على الأرضِ مهبطًا والصغارُ من حولي يسألون! ماذا ترسم؟ قلت لهم مطارًا لو عادتِ الطائرةُ ننادي عليها كي تهبطَ لنراها عن قرب، صاحوا مجنون… مجنون، هززتُ رأسي لهم وأنا أوافقهم على الجنون، أقبلتْ طائرةٌ أخرى، عرفتُها من لونِها أنها ليستِ التي أريدُ لها الهبوطَ في مدرجِ مطاري، ظلوا يقفزون كالفراشاتِ وبيدي مناديلُ الورقِ المبتلةِ بدموعي ودموعها، نظرتُ إلى معصمِ يدي لأرى الساعة ، مضتْ ساعتان على فراقنا، سألتُ نفسي هل ستعود….، أعدتُ المناديلَ إلى جيبي كي لاتجففَ الشمسُ البللَ الحزين، مرَّتِ الأيامُ وشذى حزنِها على أنفي لم يبرحْ حاسَّةَ شمي، تغيَّرَ لونُ المناديلِ من الأبيضِ إلى الأصفرِ بمايشبه إفرازاتِ الجراح، تملكتني الحسرة، فقدتُ الأملَ في عودتها، منديلٌ واحدٌ من بين المناديلِ لم يغرقْ ولم يبتلَّ ولم أفتشه، كتبتْ عليه بشيءٍ من دمها ، سامحني، بعد أن طارتِ الطائرةُ تبخرتِ الأحلامُ وتاهتْ في الفضاء، كتبتْ :صدِّقني، دموعي كانت صادقةً ولكن ليس بأيدينا أن نعيشَ سعداء ، دفنتُ كلَّ المناديلِ وأهلتُ ترابًا على المدرجِ الذي رسمتُه.