مقالات مجد الوطن

قصة قصيرة (مُكافأة نهاية الخدمة) الجزء (٤)

قصة قصيرة
(مُكافئة نهاية الخدمة) الجزء (٤)
الكاتبة/ أحلام بكري
مدينة/جازان
…………..
فتاتان ، إحداهما تحمل أغراض غذائية خفيفة بداخل أكياس كشرائح بطاطس مقرمشة وذرة وحلويات وشوكلاته ، والأُخرى تدفع عربة متوسطة الحجم ذات عجلات مليئة بصنوف غذائية متنوعة وقناني المياة المعدنية والعصيرات الخفيفة ، تنتظران وصولي عند باب الفصل تعلو شفاهُن ابتسامة رقيقة ، مع بشرة سمراء جذّابة ، لمع بذهني صوت الفنانة الرقيقة -هيام يونس- حين تغنّت بأبيات شاعرنا السعودي (يحي توفيق حسن) في السمراء والتي تقول :
سمراءَ رقّي للعليلِ الباكي 
وترفّقي بفتىً مناهُ رضاكِ 
ما نامَ وجداً تجاسرَتْ عيناهُ 
بينَ المروجِ فغازلتْ عيناكِ 
أضناهُ وجدٌ دائمٌ وصبابةٌ 
وتسهّدٌ وتوَثُّــبًٌ لخَطاكِ 
أَتخادعيهِ وتُخْلِفِي ميعادَهُ 
وتعذّبين مدلّهاً بهواكِ 
وهو الذي باتَ اللّيالي باكياً 
يرعى النّجومَ لعلّه يلقاكِ ..
.
قطع شرودي مع السمراء تحيّة إحداهن و استئذانها لدخول الفصل فهذه الحصة الثالثة موعد دخول مقصف المدرسة لفصول الأطفال لبيع و تقديم وجبة الإفطار لهم ، خوفاً عليهم من زحمة وتدافع بقيّة طالبات الصفوف العُليا على المقصف المدرسي أثناء فسحة الفطور..
.
رددتُ السلام عليهما وسمحتُ لهما بالدخول ، بذلك الصوت الذي أمتلكه (الجهوري ، المبحوح ، المتهالك) من كثرة ارتفاعه وعلوه بأقصى درجة أثناء الشرح وتوصيل المعلومة للأطفال..
بعد سماع صوتي المُتعب قالت الأخرى باستغراب : سلامات يا أستاذة ، ماذا به صوتك ..؟!
قلت لها : يشبه بقيّة أصوات معلمات أطفال صفوف الطفولة المبكرة ، مُجهَد جداً و مبحوحاً و مخنوقاً ، ولا يكاد يُسمع..
قالت الأخرى : إذاً أفعلي ما تفعله المعلمة (….) لتريح صوتها أثناء الشرح ..!
قلتُ لها : وماذا تفعل الأستاذة (….)..؟
قالت: أشترت جهاز مكبر الصوت ، تستخدمه أثناء الشرح للأطفال ..
قلت لها ؛ ما أجمله من اقتراح يا سمراء ..
ابتسمت خجلاً عندما وصفتها بالسمراء ، حيث وارتْ وأخفتْ ابتسامتها بوضع يدها على فمها الجميل ..
.
أذنتُ لهما بالدخول ، وما إن فتحتُ الباب وألقيتُ التحية ، حتى تدافع أبنائي الطلبة نحو الفتاتين لشراء الفطور ، عمّت الفوضى أرجاء الفصل ، مما أضطرني لتنظيمهم صفوفاً ؛ ليتسنى لهم الشراء بعيداً عن التدافع و إثارة الفوضى ..
.
أثناء انهماكِ بترتيب الطلبة وجدتُ شيئاً يجذبني من الخلف ويشدُّ سُترتي بقوة ، ألتفتُ فإذا بطالب صغير الحجم يهمس ولا أكاد أسمعهُ ويطلبُ مني أن أخفض رأسي ليقول لي شيئاً ، نزلتُ لمستواه بكامل جسدي ووضعت أُذني بالقرب من فمهُ الصغير ؛ لأسمع همسهُ ، قال لي بصوت خفيف : أستاذة نسيت نقودي..؟!
رفعتُ رأسي ضاحكةً من طريقة همسه وقلتُ له: ما اسمك..؟
قال : أنا يونس ..
قلت لهُ : لا تقلق ، سأتصرف يا يونس..
.
توجهتُ للفتاتين وقلتُ لهما ممازحة : هل تقبلون (الدين) والبيع على الحساب..؟!
قالتا : نعم يا أستاذة..
قلت لها : إذاً أين دفتر الحساب ؛ أُريد أن أفتح صفحةً باسمي ، ليتمكن يونس من شراء إفطارهُ وسجلي المبلغ على صفحتي..
قالت إحداهن بفرح : إنه لكرم كبير منك يا أستاذه ..
قلتُ لها : الكرم من شيمنا وعاداتنا وتقاليدنا أيتها السمراء..
وأنشدتُ أمامها أبيات شاعرنا الكبير -شاعر البحر- الأستاذ (إبراهيم عمر صعابي):
سمراءُ يا كل تذكاري ونسياني
وصرخة الحرفِ في قلبي ووجداني
أحببتُ فيكِ كؤوساً بتُ أملؤها
بباقة الحبِّ مِنْ وردٍ وريحانِ..
.
قطع ذاك الانسجام الذي كُنتُ به ، صُراخ الطالب أنس على زملائه إلياس والبراء ورمزي ، بعد أن تجمعوا عليه وهو يتناول فطوره من صندوق طعامهِ الذي أحضره معه من المنزل ، وأخذوا عنقوداً من العنب الأحمر ، الذي اعتادت والدته وضعه له مع وجبة الإفطار ؛ وما إن تداركت الموقف وانطلقت تجاههم لأخذ عنقود العنب منهم وارجاعهُ لأنس ؛ حتى وجدتُ ذلك العنقود تتطاير حباتهُ بين أفواههم ، وعندما وصلت إليهم صارخةً عليهم ؛ ويدي مُمتدة لأخذه ، ألتفتَ رمزي إليّ مذعوراً ورماه على الأرض ، أسرعتُ لالتقاطهُ قبل أن يصل للأرض ، وما أن وصلتُ إليه والتقطته قبل أن يسقط على الأرض ، مُطلقةً زفرةً قويةً قائلةً : الحمد لله لقد وصلتُ له قبل أن يقع ، رفعتُ يدي لأراه ؛ ما كان إلا عنقوداً خاوياً خالياً من العنب..
نظرتُ تجاه أنس بأسى قائلة لهُ : حاولتُ أن أعيدهُ لك كاملاً ، ولكن ..!
أنا آسفه يا أنس..
.
يُتبع..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى