محمد الرياني
كلهم خرجوا من العتبة ثم تفرقوا، قبل أن يتفرقوا وقفوا تحت الظل البارد لمنزلهم ، بدت العصافير أسعد منهم ، كانت تزقزق، تجتمع وتتفرق، تطوف حول البيت في لحظة فرح تشبه الباحثين عن الروحانية، اكتفوا بمشاهدة العصافير وهي تملأ الصباح أُنسًا وجمالًا، ذهبَ صالح إلى مزرعته، لديه بعض الزرع الأخضر يملأ منه أفواه ماشيته، اعتاد أن يعود في الضحى بحزمتين من العلف تكفيان لسد أفواه شياهه الأليفة، يمتلك قلبًا رقيقًا عندما يستمع لثغاء شياهه ويطرب لها عند ارتفاع الشمس عن موضع الإشراق، أما سعيد فهو يذهب إلى السوق ليعرف أخبار القرية الصغيرة، يختزن في ذاكرته علوم الأولين، يجلب معه أخبار الذاهبين والقادمين من المدينة، يأتي أحيانًا ببعض الحلوى ليفرح الصغار الذين لايخرجون من العتبة إلا للعب في الفناء الواسع وأكثر وسائل لعبهم هو جمع الحصى واللهو بالرمل، ثالثهم (عثمان) يذهب ليفتح دكانه الصغير ليبيع التمر والدقيق والبهارات وعلب الكبريت، ينتصف النهار ويعودون في وقت واحد، تضمهم العتبة كما تضم الأم صغارها، فيها بقايا من الظل، تأتي بعض النسائم من الجنوب، تزيل بعض العرق وتظهر ابتساماتهم في وجه بعض، يحتضنون بعضًا وكراسيهم أقرب شيء إليهم، يتوزعون وقت القيلولة، يصوبون أبصارهم نحو العتبة الجنوبية، تزداد النسائم على أجسادهم ، يغمضون أعينهم بلا منغصات، تبقى أعين الباب الجنوبي المفتوح في وضح النهار ، ليس للعتبة باب للحراسة ، هناك قوة عجيبة أقوى من إغلاق الباب.