محمد الرياني
َمساءَ ليلِ الفرحِ كنتُ في قمةِالسعادة، ثوبي الذهبي، شماغي الأبيض الذي اشتريتُه مؤخرًا ، وجزمتي ذات اللون الأبيض بربطتها الأنيقة، في استقبلني في طريقي القمرَ وهو يملأ الطبقَ الذي يسقفُ الأرض، كان ضياؤه في غايةِ الروعة، نظرتُ إلى أناقتي وحيدًا واستمتعتُ برائحةِ العطرُةِ الفخمِ يفوحُ من جنبي، الدائرةُ البيضاءُ التي تعلقتْ في السماءِ أضافتْ لي بهجةً أزاحتْ بُعدَ المسافة، لم أشعر بشيءٍ ينغِّصُ عليَّ ، درجةُ التنفسِ عندي عالية، لم أتثاءبْ كالعادة؛ فمثل هذا الوقتِ يداهمني التثاؤبُ لأطويَ صفحةَ النهارِ وأغمضَ عينيَّ وأغطي جسدي ثم أنام، لم يحدثْ شيءٌ في حضرةِ القمرِ الذي أكملَ استدارته في مسائه الرابعِ عشر ، دخلتُ أجواءَ العرس ، الأضواءُ في كلِّ جانب، والأهازيجُ تكادُ أن تخترقَ السياراتِ المسرعةِ على جانبيِّ الطريقِ المجاورة ، اتخذتُ من إحدى الأرائكِ ملاذًا لجسدي الذي رأيتُه أروعَ من كلِّ مرةٍ أذهبُ فيها لحضورِ حفلِ زواج، لم أدخل في أحاديثَ جانبيةٍ وانهمكتُ أقلِّبُ رسائلَ جوالي التي لم أجد وقتًا لقراءتها حتى نادوا عليَّ لأتناولَ وليمةَ العرس، لم أمكثْ كثيرًا، أُحبُّ دائمًا أن أنامَ دونما ثِقلٍ ، عدتُ فرحًا ولا يزال إحساسُ الفرحِ ينتابني، لم يمضِ وقتٌ بعد وصولي؛ بل دخلتُ في نومٍ عميقٍ بعدَ وضعِ ثيابي على الشماعةِ القريبة، نمتُ بلا أحلام، ولا أتذكر أن جاثومَ طعامِ آخرِ الليلِ قد حرَّكَ فصولَ الأحلام ، بدا الوقتُ الذي نمتُه قصيرًا؛ فسرعان ما صحوتُ لأجدَ إصبعَ قدمي تؤلمني، ألمٌ شديدٌ في الإصبعِ اليسرى الوسطى ألجأني لأضعَ عليها مرهمًا مُسكنًا لأجتازَ حالةَ التعب، تفحصتُ جزمتيَّ وأعدتُ قدميَّ فيهما، وجدتُ صعوبةً في إدخالِ اليسرى عكسَ القدمِ اليمنى التي كان الأمرُ معها سلسًا، اكتشفتُ أن اليمنى أقصرَ من اليسرى، وضعتُ الجزمتين في دولابٍ خاصٍ للأحذية، سألتُ نفسي لماذا تأخرَ الألمُ حتى الصباح؟ هل وَجْهُ القمرِ ورائحةُ العطرِ وثوبي الأنيقُ أخفتْ عني مشاعرَ الألمِ حتى تتمَّ فرحتي ؟ أغمضتُ عينيَّ وتنفستُ بعمقٍ كي لا أعيشَ مرارةً بعد مساءٍ كنتُ فيه مثلَ قمرِ السماءِ يدورُ في فلَكِ الأرض، أخذتُ أمسِّدُ قدمًا بأخرى كي أخففَ الألم، لم أفكر مطلقًا في حلٍّ آخر ، كان كلُّ تفكيري أن أُبقيَ الفرحةَ التي عشتُها مساءً تسكنُ صباحًا بين أصابعِ قدميَّ في ثنايا الألم.