قراءة أدبية للأستاذ ( يحيى معيدي ) لنص ( حكاية )
للأستاذ الشاعر/ حسن الأمير.
أَ تسأليني وفي عينيكِ أسئلتي
أنتِ الجوابُ إذا حارت جواباتي
حكايةٌ أنتِ لا تَنسى مُنادمتي
لله دركِ يا أقسى حكاياتي !
أعيش والقلبُ يشقى من صبابتهِ
بل أنتِ أشقيتهِ يا كلَّ آهاتي
بعثتُ يوميَ يا أمسي لتسمعَهُ
وعاد يحملُ طيفًا من جراحاتي
فجئتُ أحمل قلبي يا مُعذّبتي
إليكِ أصرخُ… مَن يغتال بسْماتي ؟
أنا الأميرُ فمن يغتالُ قافيةً
ألبستها تاج حرفي من معاناتي ؟
وأنتِ أنتِ ألا تبتْ يداكِ إذا
غادرتِ أمسيَ كي أحيا بمأساتي
ردّي عليّ فراتَ الماء سيدتي
فالماء يصرخ قهرًا من مراراتي
تعبتُ من أحرفٍ أسمعتها شجنًا
فغنتِ اللحن لكن دون أبياتي
حزينةٌ أحرفي والسطر يحضنها
فتنزف الحبر آهًا عذّبتْ ذاتي
لا أطلبُ الأمس عَودًا كي أعاتبهُ
ولا طلبتُ لقاءَ الغائبِ الآتي
لكنها زفرات بُحْتُها ألمًا
فكان جرحكِ يا أحلى مواساتي
فإن صفحتِ فماضٍ بات يقلقني
و إنْ بكيتِ و داعًا كل أوقاتي
الليلُ يعزف لحنًا مَنْ سينشدُهُ
أمّا اللقاء فضربٌ من خيالاتي !
……………………..
الحب والمعاناة في شاعرية الأستاذ/ حسن الأمير.
قراءة انطاعية.
قراءة / يحيى معيدي.
حين قرأتُ نص ( حكاية ) لشاعرنا الأمير بدءا تذكّرت قول نجيب محفوظ عن العشق والعاشق حيث يقول :
( العاشق ضعيف أمّا المعشوق فقوي)
وهو قول سليم وصحيح ؛ لأن روح العاشق كلها وبكل أحاسيسها رهن لدى معشوقته.
فالعاشق في قلبه لهب احتراق يُرسل إلى قلب المحبوبة فيقع بردا وسلاما مما يزيدها زهوا.
وفي النماذج العربية كثير وكثير.
فمجنون ليلى يقول عن حاله :
وَلِلنَفسِ ساعاتٌ تَهَشُّ لِذِكرِها
فَتَحيا وَساعاتٌ لَها تَستَكينُها.
وعند الشاعر الأمير نجد تلك الحكاية التي تجسّد حبَّه ومعاناته في الحب وتضحيته من أجل الحب.
فشاعرنا شاعر عميق الرؤية، يرى الحبّ شيئا مقدّسا لديه.
ومن أجله يرسل إشاراته الوجدانية التي تصهر جواه.
فنراه في مطلع نصه يستفهم :
( أتسأليني)
وهو استفهام تقريري
بدليل قوله :
( وفي عينيك أسئلتي )؟
وجميل هذا التفرّد في الأسلوب الإنشائي !
فهو يري عينيها محطة أسئلته ، وجسّد عينيها بمرفأ تحطّ عليه كل انزياحاته وآلامه ومجريات شعوره.
وهي عنده الجواب أيضا.
وقد جاء إثبات الخبر بجملة اسمية تحمل روح المخاطَب بقوله:
(أنتِ).
والخبر
( الجواب).
ومن الجميل تعليق ذلك الخبر بالشرط بعده ؛ للتأكيد أكثر وأكثر.
إذن ، فمحبوبة الشاعر هي مداره الذي يحمل كل أشجانه وألحانه وحكايته ، وقد جعلها حكاية مقيدة بعدم النسيان ، ثم يثير فيها روح الكبرياء بالتعجب ( لله درك) !
ويجسدها في أكثر من حكاية بقوله :
( حكاياتي).
فحكاية الحب والمعاناة صنوف عدة تمخر وجدان الشاعر فيضيق بها عشقا وألما.
ولأن الحب خيال وجنون كما يقول شكسبير ، فقد جاء نص شاعرنا واسع الخيال ، جنونيَّ الجرس والحس ، وألبسه الشاعر من معاناته دثارَ حزنِ حروفِه التي تعبت على سحنة الانتظار !
ولأن المعاناة في الحب تتطلب من الشاعر انتقاء ألفاظ ودلالات فقد جاءت ألفاظ الشاعر دلالية المعنى ، منتقاة بمهارة ، عذبة في نطقها وجرسها ومنها :
حارت ، يشقى ، آهاتي ، جراحاتي ، يغتال.
وغير ذلك.
وقد تنوعت مضمونا وحركة وانسجاما.
فالحركة اللفظية ماثلة في قوله :
أعيش والقلب يشقى.
وأيضا:
فجئت أحمل قلبي.
وأيضا:
إليك أصرخ.
ونرى -أيضا- الجمع بين نمط الحركية والصوت في ألفاظ :
( أصرخ ، أسمعتها شجنا ، غنّت اللحن…)
وألبس الشاعر ألفاظَه السكون والهيأة حسب دلالتها…
فهي حزينة في قوله :
حزينة أحرفي.
ونازفة في قوله :
تنزف الحِبر.
أو باعثة للقلق
( يقلقني)
أو التسامح:
( صفحتِ).
أو البكاء :
( بكيتِ).
وقد أجاد الشاعر في الربط بين اللفظ ومعناه ، وكأنه يساير رأي الجاحظ في قوله :
(اللفظ للمعنى بدنٌ، والمعنى للفظ روح).
ومما يُظهر معاناة الشاعر لأجل الحب الصادق شكواه المسترسلة عبر بعض قوالب النص كما في قوله :
وفي عينيك أسئلتي.
وكذلك :
لله درك ما أقسى حكاياتي !
أنتِ أشقيته يا كلّ آهاتي.
فجئتُ أحمل قلبا يامعذبتي !
فالشاعر يبث شكواه ، ويسكب معاناته في صورة التماس الحب وعودته ، لكنه بطريقة اعتزازية ؛ لأنه هو الأمير في حاله وشعره وحبه ، فكيف تُغتال قوافيه ؟
وكيف وقد ألبسها تاج حرفٍ من معاناة؟
وأحيانا يذهب به الحال للاستكانة والاستسلام للمحبوبة :
نجد ذلك في قوله :
ردي علي فرات الماء.
تعبت من أحرف أسمعتها.
لكنها زفرات بُحتُها ألماََ.
فإن صفحتِ
وغير ذلك.
فالقاري المتأمل يلمس في نص الشاعر الأمير الألم الناتج عن عشقه ، وهو ألم روحي وزفرات وتأوه !
ولعل استلهام ذلك الألم يمثّلُه قول الشاعر الأول الأحوص الأنصاري في أحد أبياته :
ما عالج الناس مثل الحب من سقم
ولابرى مثله عظماً ولا جسدا
جاء نص الشاعر الأمير على البحر البسيط وقافية التاء ، والتاء من حروف الهمس ، وكأن الشاعر اختاره ليهمس بكل شعوره في قوالب نصه التي جاءت منسجمة بنسق جميل جدا.
وتجلّى جانب التجسيد لدى الشاعر كقوله :
أنت الجواب.
لقاء الغائب الآتي.
الليل يعزف
واستلهم الشاعر الزمان
فنراه يذكر:
اليوم
والأمس
والماضي
والآتي
والليل.
وحفل النص بالتصوير البياني والبديعي والفني في كثير من جوانبه ولا يخفى ذلك على القارئ الحصيف ما توّج به الشاعر نصه من كنايات واستعارات وبديع كالطباق والمقابلة، والجناس الناقص وغير ذلك.
عاطفة الشاعر جياشة غلبت عليها الشكوى والحزن الذي تلبّس كثيرا من ألفاظ النص،
ولعل ذلك هو ما يظهر القضية المحورية لنصه (المعاناة من أجل الحب والمحبوبة)
في شاعريته المنصبة من قلب عاشقٍ وشاكٍ في آنٍ واحد.
تحية لشاعرنا الجميل الأمير ، وللقارئ الكريم.