محمد الرياني
تسألُه عن الطريق ، لم يعد في رأسِه طريق ، أعادتِ السؤالَ وهو حائرٌ في الجواب ، سطعتْ شمسُها على وجهه فأضاعَ المعالم ، ضحكتْ وليتَها لم تضحك، امتلأتْ ذاكرتُه بالمعالم، طرقٌ واسعةٌ وأخرى ضيقة، وعلى أرصفةِ جمجمتِه اصطفَّتْ مبانٍ شاهقة ، ظلتْ تنتظره ليردَّ عليها وهو في حيرة، نادتْ برفق يا… يا… وهو يبحثُ في الشوارعِ المزدحمةِ في رأسِه عن الطريقِ التي تريدها ليدلها عليه، اهتدى أخيرًا ولا يدري إن كان جوابه كما تريده أم أنها ستعود إلى جهةِ المشرقِ الذي جاءت منه، لوَّحتْ له بابتسامتِها بدلًا عن يديها وتركتْه وحيدًا يسترجعُ الخريطةَ الجديدة، خطا بضعَ خطواتٍ وإذ بها تقابله من جديد لتسأله عن الطريق فعاد إليه رشده، تفرقتْ كلُّ الخرائطِ وبقي طريقٌ واحدٌ في المدينةِ الصغيرة، أغمضَ عينيه ثم فتحَهما، قال لها هذه المرةُ ستذهبين إلى وُجهتكِ بارتياح، عادتِ المعالمُ إلى رأسِه واضحة ؛ فلا عمران على جانبيِّ الشارعِ ولا زحاما ، قالت له : ( أها أها) كررتْها ولا يعلم كم مرةً كررتْها، ذهبتْ وهي مطمئنةٌ هذه المرة وكأنها قد استوعبتْ معالمَ الطريقِ التي وصفَها، جلسَ على مقعدٍ ليستريح، سكنَ الدورانُ الذي عصفَ برأسه، تناولَ كأسًا من عصيرِ البرتقالِ وهو يرقبُ المارَّةَ في الحيِّ القديم، لم تصله عبر الخرائط أخبارٌ عن نهايةِ رحلتها، كلُّ الذي يعلمه أن الصباحَ الذي أشرقَ عليه كان مختلفًا، فقد كبرتِ المدينةُ الصغيرةُ التي زارها في الصباحِ وكأنَّها قد رأتْ وجهَ التائهةِ الصبوح.