محمد الرياني
أعتادُ عند ذهابي لأي مناسبةٍ أن أتعمدَ الجلوسَ في مؤخرةِ المقاعدِ المصفوفة ، لا أبالي إن كان المقعدُ إحدى قوائمه مكسورةً ويتمايلُ مثل تائهٍ أنهكه المسير، أو أن جلسته غير مريحة،أستمتعُ أكثرَ برؤيةِ كلِّ التفاصيل، لا أركز كثيرًا على المنصةِ المرتفعةِ ولا على كميةِ الزهورِ ولا القبلاتِ المتبادلةِ للمجاملة، أتأملُ كثيرًا في الذي يوزعُ فناجين القهوةِ وأكواس الشاي بالتناوبِ على الذين يضعون رِجلًا فوق أخرى ويمسحون أفواههم من أثرِ المشروبِ بالمناديلِ الورقيةِ الموضوعةِ على الطاولاتِ الأنيقةِ أمامهم ، لايهمني أن أشربَ كما هم يشربون ، أمي لاتتركني أذهبُ حتى أستلذَّ بقهوتها وطعمِ الشاي الذي تصنعه باحتراف، ذات مساءٍ عدتُ لممارسةِ شقاوتي عندما كنتُ أجلسُ على المقعد، تذكرتُ أيام الدراسةِ وممازحةَ الطلاب، جعلتُ الكرسيَّ يقفُ على القائمين الخلفيتين بينما الأماميتان مثل قائمتيْ فرَسٍ ترتفعان، فجأةً ارتبكَ المقعدُ وأوقعني وسطَ الحضور، صوتُ دويٍّ ضجتْ به القاعة، كلُّ الحاضرين التفتوا إلى الخلفِ وتركوا النظرَ إلى الأمام، تحولتْ جهتي إلى منصة ، قال لي صديقي الذي يجاورني وقد مدَّ يده ليرفعني إلى أعلى : سلامات… سلامات وهو يضحك ويقول أيضًا : لاتزالُ تمارسُ مشاغباتك التي لا تنتهي، قلتُ له : اسكت!! ترى فناجين الشاي والقهوة انسكبتْ على ملابسِ الجالسين في المقدمة، ضحك حتى كاد أن يلحقَ بي على الأرض، استويتُ بمساعدته على مقعدي المكسور، أردتُ أن أجلسَ بهدوءٍ ولكنَّ المقعدَ فقَدَ إحدى قوائمه، استأذنتُ من صديقي وعدتُ إلى مقعدِ أمي البسيطِ لأشربَ من قهوتها، قالت لي : لقد عُدتَ قبل الآخرين على مايبدو، نظرتْ إلى ركبتي وبهما آثار من السقوط، لم أقل لها إنني وقعتُ لفرطِ حركتي، ولكن عينيها نطقتْ فهي تعرفني جيدًا، حدثتُها عن نصفِ المشهدِ الذي رأيتُه في الحفل؛ لأنني لم أرَ النصف الآخر ، لو كنتُ بقيتُ حتى النهاية لأخبرتُها ولكني اكتفيتُ برؤيةِ النهايةِ على مسرحِ بيتنا الصغير، لم تكن فيه مقاعدُ كثيرة، كلُّ الذي فيه أنا والقططُ الصغيرةُ التي تموءُ فيه ببراءةٍ آخر الليلِ وصوتُ أمي الدافئ، وشخيرُ إخوتي الصغارِ غيرِ المرتفع تبعث على الاطمئنان، أردتُ النومَ ولا أفكر في أن أحلم بالجلوسِ على المقعدِ الأمامي، أغمضتُ عيني وأنا أضحكُ على مشهدِ سقوطي وامتدادِ يدِ صديقي الذي يجاورني يريد مساعدتي وهو غارقٌ في الضحك، لا أعرف ماذا أقول بعد، لم يسمح لي الضجيجُ في المكان أن أغمض عيني والسببُ أنَّ المقعدَ الذي اخترتُه تشبهُ قوائمه قوائمَ فرسٍ أهوج.