مقالات مجد الوطن

فَاتَ الأوَانُ 

 

وَفِّر دَمُوعَكَ يَابنَ الأُمِّ وَامحِينِي

فَاتَ الأوَانُ فَلا تَبكِي وَ تَنعِينِي

 

عِشرُونَ عَامَاً مَضَت وَالبَابُ مُقفَلةً

وَالقُفلُ شَاخَ عَلَى الأبوَابِ فُكّونِي

 

عِشرُونَ مَرّت وَمَاطَابَت لنَا سِنَةٌ

وَلَا احتَفَلنَا بنَيرُوُزٍ وَ تَشرِينِ

 

عِشنَا بِزنزَانَةٍ وَالحَالُ واحِدَةٌ

لَا فَرقَ مَا بَينَ سَجّانٍ وَ مَسجُونِ

 

وَفِّر دَمُوعَكَ خُذ كُلَّ التِي سَقَطَت

وَاعصُر بَقايَا التي بَاتَت عَلَى الطّينِ

 

لَا تُفسِدَنَّ وَضُوئِي بَينَ نَائِحَةٍ

لَا تُفصِلَنَّ عَطُورِي عَن رَيَاحِينِي

 

إنّي انتَظَرتُكَ حَتّى زاغَ لي بَصَرَي

وَالسّاقُ لُفّت عَلَى سَاقٍ فَسَاقُونِي

 

في لَحظَةِ النّزعِ كَم نَاشَدتُ قابِضَتِي

مَهلَاً لَعَلَّ أخِي بِالقُربِ يَأتِينِي

 

قَد كَانَ لي أمَلٌ بَالبَابِ أنظُرُهُ

عَلَّ البَشِيرَ يَجِيئُ الآنَ يُحييِنِي

 

لَكنَّ قَلبَكَ يَأبَى أن يُسَايُرنِي

كَمَا عَيُونُكَ تَأبَى أن تُدَاوِينِي

 

فَكَم طَرَقتُ وَبَابُ الصَّدِّ يَمنعُنِي

وَكَم بَعَثتُ وَأهلُ الخَيرِ مَلّونِي

 

أأنتَ تَبكِي وَ تَنعِي حَظّنَا أسَفَاً

أمِ التَّمَاسِيحُ فَوقَ النَّعشِ تَبكِينِي

 

أمِ العَيُونُ ارتَخَت في عَينِ كَاذِبَةٍ

فَسَالَ دَمعٌ غَرِيبٌ كَادَ يَشوِينِي

 

لا تُشعِرِ النّاظِرِينَ إليكَ عَاطِفَةً

أَنَاْ الوَحِيدُ الذِي بِالدّمعِ يُدرِينِي

 

إن كُنتَ تَبكِي عَلَى وَجهِي وَ تَندُبنِي

وَالنّاسُ تَجهَلُ مَا تَبكِي وَ تَرثِينِي

 

كَفَاكَ غَشّاً دَمُوعُ الحُزنِ مَالِحَةً

وَدَمعُكَ الآسِنُ القَطَّارُ يُؤذِينِي

 

لَا تُوهِمِ العَينَ أنّ الحُبَّ جَمّعنَا

فَالنّاسُ تَعرِفُ مافي البِئرِ من عينِ

 

وَالنّاسُ تَحفَظُ بالكَشكُولِ ذَاكِرَةً

مَاكَانَ يَعنِيكَ أو بالسِّرِّ يَعنِينِي

 

وَالعُمرُ سَجّلهَا الأحدَاثَ كَامِلَةً

مِن غَيرِ لَونٍ وَ بالأصوَاتِ والَّلونِ

 

فالنّاسُ تَعرِفُ كَم عِشنَا بِلا صِلَةٍ

وَيَحسِبُونَ سِنِينَاً لَم تُؤآخِينِي

 

جِينَاتُنَا لَم تَعُد بِالمُصلِ وَاحِدَةً

نَحنُ اختَلَفنَا وَبَينَ الأرضِ وَالجِينِ

 

أخفَى الشّبَابُ شَجُوجَاً في مُقدِّمَتِي

حَتّى كَبِرتُ فَبَانَت فَوقَ أجفُونِي

 

بَاتَ الرّصَاصُ بسَفحِ البَيتِ مَنخَلةً

وَالنّارُ تَحرِقُ في زَرعِ البَسَاتِينِي

 

السُّورُ طَالَت فَلا رِيحٌ إلَى رِئَتِي

وَالشّمسُ غَابَت سِنِينَاً عَن بَلاطِينِي

 

وَعَلَى جِدَارِي فَرُوعُ الشّوكِ شَائِكَةٌ

وَفي طَرِيقِي أعَاصِيرُ الخَمَاسِينِ

 

أرضِي مُبَيَّضَةٌ قَد ضَاعَ ضَابِطُهَا

مَابَينَ قَاضٍ وَ مَحكُومٍ وَ مَرهُونِ

 

وَالطَّوبُ يَلتَحِفُ الصَّحرَاءَ مُنتَثِرَاً

وَاللّبنُ نَامَ مَعَ الإسمِنتِ في الطّينِ

 

قُل أينَ خَبَّأتَ ذَاكَ السُّوطَ تَجلِدُنِي

أينَ الحَدِيدُ الذي قَد كَانَ يَكوينِي

 

أتَذكُرُ الفَجرَ والبَالُونُ شَاهِدَةٌ

مَاأخطَأ الرّيحُ لَمّا طَارَ بَالُونِي

 

النّاسُ تَفرَحُ يَومَ العِيدِ رَاقصَةً

تُقبِّلُ اللهَ في الأطفَالِ والدِّينِ

 

عَضّيتَ لي طِفلةً جَاءَت مُهَنِّئِةً

مَاأقبَحَ الدَّمعَ في خَدٍّ مِنَ التِّينِ

 

لَوِ التَقَينا وَسُوءُ الحَظِّ جَمّعَنَا

خَامَستَنِي بيَدٍ مِثلَ السَّكَاكِينِ

 

صَلّيتَ فَردَاً وَكَم ضَيّعتَ نَافِلَةً

كَي لَا تَكُونَ بِقُربِي أو تُحَاذِينِي

 

حتّى العَصَافِيرُ فوقَ الغُصنِ تَمنَعُهَا

وَتَحبِسُ الهِرَّ إن لَاغَت بِمَاعُونِي

 

أشُدُّ عَضْدَكَ تَرخِي الحَبلَ تَنزِعُهُ

تَرمِي الوِصَالَ بِقَاعَ الجُبِّ تَخفِينِي

 

فَكَم قَطَعتَ حِبَالَ الوَصلَ أجمَعَهَا

وَكَم سَفَحتَ دِمَاءً مِن شَرايِينِي

 

عَلّمتَ أبنَائَكَ الأشرَارَ أورِدَةً

حَتّى الصّغَارَ يَسُبّوا كُلَّ مَافِينِي

 

لَم أسمَعِ العَمَّ غَيرَ الذَّمِّ يَسبِقُنِي

والدَّمُّ يَنزِفُ والأحجَارُ مِن دُونِي

 

قَد عِشتَ لَامرَأةٍ عَضْهَاءَ كَاذِبَةٍ

تَدُسٌّ بِالشَّهدِ آفَاتِ الثَّعَابِينِ

 

كَشَيخَةِ الكِيرِ تُوقِظُ كُلَّ نَائِمَةٍ

وَتُطفِئُ النَّارَ إن شَبَّت بِبَنزِينِ

 

حَبلَانِ مِن مَسَدٍ فِي جِيدِهَا لَهَبٌ

وَالظَّفرُ يَخمِشُ مَافِيهَا بِسِجِّينِ

 

مَاذَا اقتَسَمنَا؟ أوَادِ النَّخلِ حِصَّتُنَا

أمِ البَسَاتينُ جٌزنَاهَا عَلَى اثنَينِ

 

أمِ العَقَاراتُ والأموَالُ تِركَتُنَا

إنّي لَأضحَكُ بَينَ الحِينِ وَ الحِينِ

 

يَالَيتَ فَرَّقنَا مَالٌ وَ أمتِعَةٌ

لَيتَ القِتَالَ عَلَى كَنزِ القَراصِينِ

 

هَذَا التُّرابُ الذي تَبكِي مَحبَّتُهُ

لَو بِعتَهُ مَاكَفى كُوخَاً لِمَسكِينِ

 

مَاخَلّفُوهُ لَنَا غَيضَاً يُهانُ بِهِ

فَكَيفَ نَقسِمُ أنصَافَ الفَنَاجِينِ

 

مَن أغلَقَ البَابَ أزمَانَاً بِقِبلَتِنَا

لا دَاعَ يَبكِي عَلَى قَبرِي وَيرثِيني

 

ارجَع لِدَارِكَ دَارَ الغِلِّ تَسكُنُهَا

فِرعَونُ فِيهَا فَلا تَرحَلْ كَفِرعَونِ

 

لَا تَحضُرَنَّ عَزَائي .. تَسمَعَنَّ بِهِ

قَد عَظَّمَ اللهُ أجرَكَ يَاأخِي فِيني

 

فَنَحنُ عِشنَا بَعِيدَاً مِنذُ نَشأَتِنَا

أغرَابُ عِشنَا وَنُدفَنُ كالشّيَاطِينِ

 

سَألتُكَ اللهَ تُوصِي بَاقِ إخوَتِنَا

أن يَحرِقُوكَ كَمَا بالهِندِ والصِّينِ

 

فَليَنثِرُوكَ رَمَادَاً لَيلَ عَاتِيَةٍ

تَلقِي بِكَ الرّيحُ فِي جَوفِ البَرَاكِينِ

 

لَا تَقبِرُوهُ بقُربي لَا تُجَاوِرَنِي

فَمُت بِسِجنٍ بَعَيدَاً عَن مَسَاجِينِي

……………………………….

شعر / علاءحكمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى