في سورة المطففين يقول تعالى :
(كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (14)
أي ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا إن هذا القرآن أساطير الأولين بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الرين الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا ولهذا قال تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ).
وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت” فذلك قول الله ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .
وقال الترمذي حسن صحيح ،
وروي عن أبي هريرة أنه قال ‘قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه وذاك الران الذي ذكر الله في القرآن .
وقال الحسن البصري : هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت.
و في المعنى اللغوي قيل : كلا : ردع وزجر ، أي ليس هو أساطير الأولين . وقيل : معناها حقا ران على قلوبهم، وقال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب .
قال مجاهد : هو الرجل يذنب الذنب ، فيحيط الذنب بقلبه ، ثم يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه ، حتى تغشى الذنوب قلبه . وقيل معناها كثرت المعاصي منهم والذنوب ، فأحاطت بقلوبهم ، فذلك الرين عليها .
وروي عن مجاهد أيضا أنه قال : كانوا يرون القلب في مثل هذا يعني: الكفّ، فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه، وقال بأصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنب ضمّ أصبعا أخرى، فإذا أذنب ضمّ أصبعا أخرى، حتى ضمّ أصابعه كلها، ثم يطبع عليه بطابع، قال مجاهد: وكانوا يرون أن ذلك هو الرين.
وقال بكر بن عبد الله : إن العبد إذا أذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة ، ثم صار إذا أذنب ثانيا صار كذلك ، ثم إذا كثرت الذنوب صار القلب كالمنخل ، أو كالغربال ، لا يعي خيرا ، ولا يثبت فيه صلاح . وروي عن ابن عباس شيئا الله أعلم بصحته ; قال : هو الران الذي يكون على الفخذين والساق والقدم ، وهو الذي يلبس في الحرب .
وقال آخرون : الران هو الخاطر الذي يخطر بقلب الرجل .
فأما عامة أهل التفسير فعلى ما قد مضى ذكره، يقال : ران على قلبه ذنبه يرين رينا وريونا أي غلب، فكل ما غلبك وعلاك فقد ران بك ، ورانك ، وران عليك ; وقال الشاعر :
وكم ران من ذنب على قلب فاجر..
فتاب من الذنب الذي ران وانجلى
ورانت الخمر على عقله أي غلبته ، وران عليه النعاس : إذا غطاه، ويقال : رانت به الخمر ، أي غلبت على عقله وقلبه . وقال الأموي : قد أران القوم فهم مرينون : إذا هلكت مواشيهم وهزلت .
و يقال : قد رين بالرجل رينا : إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ، ولا قبل له به .
والرين : أن يسود القلب من الذنوب ، والطبع أن يطبع على القلب ، وهذا أشد من الرين ، والإقفال أشد من الطبع .
والرين كالصدأ يغشي القلب كالغيم الرقيق ، ومثله الغين ، يقال : غين على قلبه : غطي . والغين : شجر ملتف ، الواحدة غيناء ، أي خضراء ، كثيرة الورق ، ملتفة الأغصان .
لهذا تعين على المسلم أن يستغفر من الذنوب أولا بأول و لا يستمر على ذنبه فيألفه، و الندم و التوبة يعملان على غسل ذاك الرين و رفع ذاك الغطاء، فيبقى القلب نظيفا نقيا قدر الإمكان.
نعوذ بالله من الرين وسواد القلب.
د. فاطمة عاشور