أيها المتقاعد ، آن الأوان أن تشعر بروحك وتتلذذ بها أثناء الصلاة المفروضة وأكثر من صلاة النافلة ، انتهى وقت العجلة واللهث خلف الوقت والسباق مع الزمن ، أنت الآن متفرغ تماماً من قيود العمل..
عندما تتوجه للصلاة مستقبلاً القبلة عليك أن تعي أنك في لقاء حميمي مع خالقك ورازقك و المُنعم عليك ، وأنك بحضرة الملك جلّ جلاله وبكامل عظمته ، لقاء مُتفرد مختلف عن أي لقاء حَدثَ وسوف يحدثُ لك ، وكن على يقين بأنهُ لقاء مُحب يشتاق لحبيبه ، لا يريد منك شيئاً سوى استحضار الذهن و طواعيّة الروح وخضوع الجوارح والوقوف بتذلل وتضرع ..
يقول الإمام الشافعي:
قَلبي بِرَحمَتِكَ اللَهُمَّ ذو أُنُسِ في السِرِّ وَالجَهرِ وَالإِصباحِ وَالغَلَسِ
ما تَقَلَّبتُ مِن نَومي وَفي سِنَتي إِلّا وَذِكرُكَ بَينَ النَفسِ وَالنَفَسِ
لَقَد مَنَنتَ عَلى قَلبي بِمَعرِفَةٍ بِأَنَّكَ اللَهُ ذو الآلاءِ وَالقُدسِ
وَقَد أَتَيتُ ذُنوباً أَنتَ تَعلَمُها وَلَم تَكُن فاضِحي فيها بِفِعلِ مَسي
فَاِمنُن عَلَيَّ بِذِكرِ الصالِحينَ وَلا تَجعَل عَلَيَّ إِذاً في الدينِ مِن لَبَسِ
وَكُن مَعي طولَ دُنيايَ وَآخِرَتي وَيَومَ حَشري بِما أَنزَلتَ في عَبَسِي
.
البوح بمكنونات صدرك للواحد القهار لحظة استثنائية مُبهرة ، وهو القادر الذي يستحيل أن يردك خائباً .
استشعر جمال وجلال اللحظة بين يدي الله القدوس ، تحدث وتوسل واطلب واذرف الدموع ، بيده الخير كله و سيدفع الشر عنك مهما عظُم ، ويمتلك النفع والضر ، وبيده مقاليد كل شيء.
ألغِ كلَّ البشر و أطل السجود والركوع حتى تخشع جميع جوارحك وانقطع وانسلخ من الدنيا عند مناجاة الرحمن الرحيم فهو الوحيد الذي يفهمك ويشعر بك و تكمن الراحة بين يديه..
هذه اللحظة بين يدي الله لن تكون متكاملة وأنت مقيّدٌ بوقت و عمل وعقلك مشغول بأمور الحياة ، مهما حاولت أن تعيشها بشكل صحيح ، بينما الآن أيها المتقاعد ، قد فرغ عقلك من كل شيء ، وهدأت روحك من شوائب الحياة ، عليك توجيه عقلك إلى الله ، وإرواء روحك من الله ، واستمتع بلحظات الصلاة بين يد الله ، و أكثر من الوقوف بين يد الله في الصلاة ، تدريجياً.
خصص وقتا بسيطا لصلاة الليل ثم زد من هذا الوقت كل أسبوع ، ابدأ بربع ساعة ثم زدها ربعاً كل أسبوع حتى تصبح عادة دائمة ، تجنح بها لله الباسط الرافع..
وتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام عن سالم بن أبي الجعد قال: ” قال رجل: ليتني صليتُ فاسترحتُ ، فكأنهم عابوا ذلك عليه ، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يقول:
“يا بلال ، أقم الصلاة ، أرحنا بها” صحيح رواه أبو داود..
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :
« حُبِّب إليَّ الطِّيب, والنساء , وجُعِلت قرةُ عيني في الصلاة» (قال الشيخ الألباني: صحيح, ينظر: صحيح سنن النسائي)..
قرة عين لأنها ترويض للجسد ، تُطهّر الروح وتُؤنس القلب وتُصفي الذهن وتُرخي الملامح وتُهذب الجوارح..
.
ولا تنسَ ، ارفع دائماً شعار
(متقاعد ، لا تكلمني).
………………
الكاتبة/أحلام أحمد بكري