د . ضيف الله مهدي
اليوم الجمعة الموافق ٢٤ ربيع الأول من عام ١٤٤٦هـ ، ارتقى منبر جامع الفقهاء الشيخ حسن بن يحيى الأعجم خطبة رائعة جميلة ضافية وافية شافيه ، حيث تحدث عن الطلاق أسبابه وآثاره مستدلا بآيات الذكر الحكيم والهدي النبوي وما صاغه الحكماء ودونه الشعراء . وكنت أستمع عليه حتى إذا ما فرغ وأقيمت الصلاة وخرجت من المسجد تذكرت أني قد كتبت حيال ذلك ،
فيقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) وفي بعض الروايات فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج يعني الزواج . والباءة تتمثل في ثلاثة أمور :
1ـ القدرة المالية ، حيث يستطيع دفع المهر والصرف على الأسرة وفتح بيت وجميع التكاليف.
2ـ القدرة النفسية ، حيث يستطيع فتح بيت وتكوين أسرة ورعايتها وحمايتها والتصرف السليم تجاهها وتحمل الطواريء التي تطرأ .
3ـ القدرة الجنسية والجسمية حيث يستطيع الزوج القيام بمهامه تجاه زوجته وإشباع غرائزها . فإذا توافرت جميع تلك الأمور من الباءة فتأخير الشخص زواجه غير مناسب وغير جيد وربما يؤدي تأخيره للزواج إلى أمر لا تحمد عقباه وربما يدخل في أمور تضره هو . والزواج يطور العلاقات الإنسانية.
أهداف العلاقات الإنسانية :
١-تحقيق التعاون بين العاملين في المجتمع الواحد وتعزيز الصلات الودية والتفاهم الوثيق وتقوية الثقة المتبادلة.
٢- زيادة الإنتاج وهي نتيجة مترتبة على زيادة التعاون .
٣- إشباع حاجات الأفراد الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وتحقيق أهداف التنظيم الذي يعملون فيه.
٤- رفع الروح المعنوية بين أفراد المؤسسة التربوية ومن ثم يتوافر الجو النفسي العام لصالح العمل والإنتاج.
وقد حدد ديننا الحنيف أهم المبادئ التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية ، وهي :
١- التواضع .
٢- التشجيع : قال الله تعالى :{ ولا تنسوا الفضل بينكم } .
٣- التعاون : قال تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .
٤- الشورى : قال تعالى{ وشاورهم في الأمر } .
٥- العدل قال الله تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى }. فالموضوعية والبعد عن التحيز من أهم سمات العدل.
٦- القدوة الحسنة : قال تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً حيث ألف بين القلوب وجمع الناس من حوله بتلك الأخلاق.
٧- المسؤولية : قال الرسول عليه الصلاة والسلام : { كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته } فالشعور بالمسئولية يؤدي إلى الإحساس بالإيثار وحب الآخرين .
٨- الرحمة : قال تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } . فالرحمة بين العاملين في أي مجال تعتبر أهم ركائز العلاقات الإنسانية . عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يرحم الله من لا يرحم الناس ) رواه البخاري .
وطبيعة الحياة أن تحدث بين بعض أفراد المجتمع مشاحنات ، وتحدث في الأسر والبيوت أجواء من المشاحنات.
سؤال ـ هل الخصومات والمشاحنات وتوتر العـلاقة بين الوالدين تؤثر في سلوك الأبناء وتربيتهم ؟ .
الجواب : تشير الدراسات إلى أن المشاحنات والخلافات تؤثر على سلوك الأبناء وعدم الوصول بهم إلى الطريقة المثلى في التربية . وتشير المشاحنات إلى الخلافات التي يمكن أن تقع بين الوالدين ، وتبدو في أشكال سلوك كلامي وحركي متعدد الأنواع ، وتخلق في البيت جوا من التوتر يؤثر في حياة الأبناء تأثيرا بالغا . والخلافات بين الوالدين يمكن أن تقع والأصح القول أنها كثيرا ما تقع ، ولكن بعضهم لا يذهب فيها إلى أكثر من حدود المناقشة ( المهذبة ) بحيث تنتهي المناقشة إلى بعض الحلول المنطوية على الكثير من التسامح عند الطرفين . ويكثر في أمثال هذه الحوادث البسيطة أن يبعد الوالدان جو مناقشتهما عن الأولاد حرصا على حسن تربيتهم . إن جو المشاحنات في الأسرة من أشد الأجواء تأثيرا في إيجاد صعوبات في التكيف تعرقل حسن نمو الأبناء .
فإذا انتهت المشاحنات إلى انقطاع كامل أو ما هو قريب منه في العلاقة بين الوالدين وأصبح البيت متصدعا أو مهدما ، غدا البيت قطعة من الجحيم في نظر الأبناء ، وقد رأينا الكثير من الأمثلة عن تأثير هذا الجو في جنوح الأحداث ، وتصبح التربية للأطفال في جو مثل هذا غير صالحة وكافية ولا يأخذ الأطفال نصيبهم منها .. وإذا انفصلا الأبوين عن بعضهما أو عاشا معا لكنهما ليست بينهما أي مودة أو اتصال أو تقارب عاش الأبناء أجواء الطلاق النفسي والذي هو أشد وقعا وتأثيرا على نفسياتهم من الطلاق والانفصال الحقيقي .
والطلاق هو أبغض الحلال عند الله فهذا يعرفه الصغير قبل الكبير ، والجاهل قبل المتعلم ، ولكن سأقول : إن الطلاق مثل ما شرع لهذه الأمة المحمدية فيه الخير والصلاح . والطلاق هو علاج لمرض سوء توافق وعدم وئام حدث بين زوج وزوجته . ثم تم استخدام جميع العقاقير له إلا أنه لم ينفع ، ووجد الطلاق كعلاج ليبدأ الرجل يبحث عن امرأة ربما يحدث توافق بينهما ويحيا معها حياة طيبة ، وتنتظر المرأة الرجل المناسب الذي يتقدم لها لتعيش حياتها .. وصحيح أن هناك أضرارا نفسية ومادية واجتماعية قد تحدث بسبب الطلاق ، لكن نقول إن الشخص قد يتخلى عن بعض أطرافه أو جزء من جسمه من أجل أن يحيا باقي الجسد سليما معافى . وقد واسى الله سبحانه المطلقين فقال : (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ) . والأطفال إذا كان هناك أطفال بين المطلقين هم الذين سيتأثرون وسيواجهون المعاناة في حياتهم وتستمر معهم مشكلة انفصال والديهم في حياتهم الحاضرة والمستقبلية . وستتأثر نفسياتهم ومستوياتهم الدراسية ونظرتهم إلى الحياة وعلاقاتهم الاجتماعية ، وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين هم من بيوت قد حدث فيها انفصال وطلاق بين آبائهم وأمهاتهم هم أكثر عرضة للأمراض النفسية والنفسجسمية والإدمان والترويج والإجرام والاكتئاب وغير ذلك . وقد يتخلى الوالد المطلق عن أبنائه بسبب كرهه لأمهم التي طلقها ، وقد تتخلى الأم عن أطفالها من زوجها الأول بسبب كرهها لزوجها الذي طلقها . ثم سيتعرض الأبناء إن هم عاشوا مع أبيهم لتصرفات وعنف زوجة الأب ، وكذلك سيتعرض الأطفال الذين يعيشون مع أمهم لعنف زوج الأم .. لكن ليس ذلك أمرا حتميا ، فكثير من زوجات الآباء وأزواج الأمهات في قلوبهم شفقة ورحمة ، ويخافون من الله سبحانه ويتصرفون معهم بكل أدب واحترام وعطف . وما تزال نظرة المجتمع قاصرة وضيقة تجاه المرأة المطلقة ، والرجل المطلق ، ولو رجعنا إلى حياة الأسلاف لوجدنا تلك النظرة لم تكن موجودة بينهم . ونجد أن المرأة تتزوج مرات متكررة ، فكلما توفي عنها زوج أو تطلقت من زوج تقدم لها آخر وقبلت به وعاشت حياتها .