فعهدي بالسُّجونِ تضمُّ خلْطاً
تنامُ بها الغريبةُ و البَعيدُ
توقعَّتُ العِقابَ لكلِّ ذنبٍ
وأنَّ القيدَ تعشقهُ العَبيدُ
ولم أدرِ السجونَ بها حبيبٌ
فلطفاً بالأحبةِ ياحَديدُ
حبيبُ كم بحثتُ عليه يوماُ
وفتَّشتٌ الطيورَ وما أصيدُ
وفي كل الحروف سألتُ عنهُ
لعلَّ الحبَّ أخفاهُ القَصيدُ
وأعلَنَّا بأنَّ لنا فقيداً
أماتَ وأين ماتَ لنا العنيدُ
وإن كان الذي نهواهُ حيَّاً
بأيِّ مصحَّةٍ وبها قَعيدُ
ولكنِّي أراهُ بكلِّ حقلٍ
ولا بسنابلي شابَ الوَليدُ
فلا فكري وبين الوهم ضاعت
وكم قد عاش بي أملٌ جَديدُ
فعطركَ دلَّني أمسى ينادي
وعطركَ حاضرٌ و لكم شَهيدُ
ولو أدري السجونَ بها حبيبي
لكسَّرتُ الحديدَ لها أبِيدُ
وماذنبُ السجين طريحُ بردٍ
وعينُ الكُحلِ أخفاها الجَليدُ
فقالوا قاتلاً فرَدَدتُّ حاشَا
أفي عينيهِ مَصيدةٌ و صَيدُ
فقالوا لي ضَحاياهُ كثيرٌ
لهُ في كل ناظرةٍ شَهيدُ
ألا عفوٌ فردَّ السجنُ عفواً
فماعَفتِ العيونُ ولا الفَقيدُ
أُحامِي عنهُ قلتُ السجنَ مَهلاً
سنقدحُ بالشهودِ لهم نَبيدوا
فقالُ الحُكْمُ قد شَهِدَتْ عيونٌ
وبصَّمَتِ العيونُ له و أَيدُ
ألا ياسجنُ فاكرمْ لي عيوناً
و دلِّلْ لي العيونَ وما تُريدُ
وقبِّلْ لي خدودَ الوردِ وامسح
دموعَ الشوقِ يحفظها الجَريدُ
وهاتِ لنا الدموعَ وكلَّ عطرٍ
بمنديلِ الورودِ و لا يزيدُ
فمنديلُ الحبيبِ يعيدُ ذاتي
وما قد ماتَ من شِعري يَعيدُ
فعُدتُّ تراقَصَت كلُّ المَرايا
وماضِينا وبِروازٌ وبِيدُ
سأفتحُ مرقصاُ و فروعَ حلوى
ويُنشأُ بالعروقِ لنا بَريدُ
نراسلُ فيه كلُّ الحبِّ نشكي
إذا غابَ الأحبَّةُ و النشِّيدُ
فحفلٌ بينَ أوردتي و شمعٌ
ويرقصُ داخلي كَعكٌ و عِيدُ
فمِيلادٌ جديدٌ في حياتي
ونبضٌ عادَ وابتسمَ الوَريدُ
فلا لمتمْ إذا بالأمس ماتتْ
مشاعرُ تائهٍ عنكم تَحيدُ
فكم قَد مِتُّ بين الموتِ أبقى
وفي موتي أموتُ كما يَريدُ
رأيتم ميِّتاً أحياهٌ سِجنٌ
ومنديلٌ و أعطارٌ وجِيدُ
دعوني بين قُضبانٍ وصمتٍ
تعيشُ بخافقي عَينٌ و قَيدُ
…………………………..
أبوحليم …..
* أيدٌ : اسم علم مذكر بمعنى القوة