مقالات مجد الوطن

حروف تروي ‎الحكايات

 

بقلم: محمد عبده عريشي

 

 

‎الفصل الأول: بداية الحكاية
في قرية صغيرة بمنطقة جازان، حيث تعانق الجبال السحاب وتنساب مياه الأودية كأنها تكتب قصائد الطبيعة، نشأ محمد، شاب يحمل في قلبه طموحًا كبيرًا وشغفًا خاصًا بفن الخط العربي. نشأ في كنف عائلة تقدّر الفن والثقافة، وكان جده خطاطًا معروفًا في المنطقة، يحكي دائمًا عن جمال الحروف وكيف أن كل خط وزاوية يحملان معنى أعمق مما يبدو.
منذ صغره، كان محمد يقضي ساعات طويلة في ورشة جده، يراقب يده وهي ترسم الحروف بأناقة على ألواح الخشب. تعلم أن الخط العربي ليس مجرد وسيلة للكتابة، بل هو انعكاس للروح والعقيدة والجمال. ورغم مهارته في الخطوط العربية المختلفة، كان محمد دائمًا يشعر أن ثمة بُعدًا مفقودًا، وكأن حروفه تبحث عن حوار مع حروف أخرى.

 

 

الفصل الثاني: طريق إلى الشرق البعيد
عندما أنهى محمد دراسته الثانوية بتفوق، حصل على منحة لدراسة الهندسة في مدينة شنغهاي بالصين. كان قرار السفر صعبًا على عائلته، لكنهم كانوا يؤمنون بأن محمد قادر على مواجهة التحديات.
وصل محمد إلى شنغهاي، المدينة التي لا تنام، حيث تتشابك الأبنية الحديثة مع الأزقة القديمة التي تحمل إرث الصين العريق. رغم الحماس الذي شعر به عند وصوله، واجه تحديات ثقافية ولغوية جعلته يشعر بالغربة. لكنه وجد في الجامعة مجتمعًا متنوعًا ساعده على التأقلم تدريجيًا.

 

 

 

‎الفصل الثالث: لقاء الحروف
في أحد الأيام، وبينما كان يتجول في الحرم الجامعي، جذب انتباهه إعلان عن معرض للفنون يقام في قاعة الجامعة. قرر محمد الحضور بدافع الفضول.
عند دخوله المعرض، توقف أمام لوحة مكتوبة بالخط الصيني التقليدي. كانت الكلمات جميلة، لكنها غامضة بالنسبة له.
في تلك اللحظة، اقتربت منه فتاة صينية تحمل كراسة رسم صغيرة. كانت تدعى “ليان”، طالبة في قسم الفنون ومتخصصة في الخط الصيني. لاحظت اهتمام محمد وسألته بابتسامة:

‎”هل تعجبك اللوحة؟”
ابتسم محمد وأجاب:

‎”جمالها لا يُنكر، لكنني لا أفهم معناها.”
شرحت له ليان أن اللوحة تحمل مقولة صينية قديمة: “字如其人” (الخط يعكس شخصية الكاتب). أُعجب محمد بالفكرة، وأخبرها عن فلسفة الخط العربي وكيف يعكس روح الإبداع والجمال الداخلي

 

 

‎الفصل الرابع: صداقة الحروف
بدأت صداقة بين محمد وليان، وأصبحا يلتقيان بشكل متكرر. اكتشفا أنهما يشتركان في شغف عميق بفن الخطوط. محمد كان يحدثها عن جمال الخط الكوفي والديواني، بينما كانت ليان تشرح له عن تعقيد الخطوط الصينية مثل الكايشووالتشوان.
اقترحت ليان على محمد أن تعلّمه الخط الصيني، وفي المقابل، طلبت منه أن يعلّمها الخط العربي. أصبحا يقضيان أمسياتهما في مكتبة الجامعة، يرسمان الحروف ويمزجان بين ثقافتيهما.
ذات مرة، أثناء جلسة تعليمية، قالت ليان بحماس:

‎”محمد، لماذا لا نصنع لوحة مشتركة؟ نجمع فيها الحروف العربية والصينية في قطعة فنية واحدة.”
فكر محمد قليلاً ثم قال:

‎”فكرة رائعة، لنصنع لوحة تعبر عن قيمنا المشتركة.”

 

‎الفصل الخامس: اللوحة الأولى
استغرق العمل على اللوحة أسابيع من الجهد والتنسيق. اختار محمد وليان كلمة “تواصل” وكتباها بالخط العربي والصيني معًا.
كانت اللوحة تحمل رموزًا تعبر عن ثقافتيهما: جبال جازان وأشجار المانجو من جهة، ومشهد لحقول الأرز وجبال الصين من جهة أخرى.
عندما انتهيا، قررا عرض اللوحة في مهرجان ثقافي نظمته الجامعة. لاقت اللوحة إعجابًا كبيرًا، واحتشد الزوار حولها. وقف محمد وليان يشرحان معاني الكلمات وأهمية الخطوط في ثقافتيهما.
قال محمد:

‎”الخط العربي ليس مجرد كتابة، بل هو تعبير عن الإيمان والجمال الداخلي.”
وأضافت ليان:

‎”أما الخط الصيني، فهو وسيلة لنقل الحكمة والتأمل عبر الأجيال.”

 

‎الفصل السادس: عودة إلى جازان
بعد انتهاء فترة دراسته، عاد محمد إلى جازان محملاً بالتجارب والذكريات. لكنه لم ينسَ مشروعه مع ليان. قرر أن يؤسس مركزًا فنيًا صغيرًا في قريته لتعليم الخط العربي والصيني معًا. كان هدفه أن يكون المركز جسرًا يربط بين الشباب في جازان والعالم.
وفي يوم من الأيام، تلقى رسالة من ليان. كانت تخبره بأنها افتتحت ورشة مماثلة في شنغهاي، حيث تعلم الأطفال الصينيين أساسيات الخط العربي. اختتمت رسالتها بجملة:

‎”أحلامنا بدأت بحروف صغيرة، لكنها أصبحت حكايات تُروى.”

 

‎الخاتمة: حروف تبني الجسور
أصبح محمد وليان مثالًا حيًا على قوة الثقافة والفن في بناء جسور بين الشعوب. أثبتا أن الحروف ليست مجرد أدوات للكتابة، بل وسائل للتواصل والتفاهم.
وبقيت لوحتهما “تواصل” رمزًا دائمًا لحوار الحضارات، تذكّر الجميع بأن الجمال الحقيقي يكمن في فهم الآخر والاحتفاء بتنوعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى