
…… …… ……
(تاريخٌ في قصيدة ١٠٠ بيت)
………………………………
من أجلِ عينيكٍ يابلقيسُ أنسُجها
قصيدةً حاكها التاريخُ من قِدَمِ
مِدادُها بمياهِ التِّبرِ شاهدةٌ
رمسيسُ كاتِبُها نقشاً على هَرَمِ
نسجتُها في خدودِ الوردِ أُغنيةً
رسمتُها بجمالٍ صاغهُ قلمي
على مزاميرِ داودٍ سأعزفها
لحناً . وأنشدها حُبّاً بِملءِ فمي
غنى بها البلبلُ الصدَّاحُ مبتهجاً
وعازفُ العودِ يُهدي أجملَ النغمِ
في الجنتين وذاكَ السَّدُّ حارسُها
حتى ولو هُدِّمت من سيلها العَرِمِ
وسادتي عرشُ بلقيسٍ وفي سباءٍ
تجولُ خاطرتي في الأُفقِ والسُّدَمِ
إن كنتِ في يَمَنِ الأحرارِ حاكمةً
لا تركعي بين شمسِ الحبِّ والنُّجُمِ
صرحي المُمَردُ في شوقٍ فلا عَجَبٌ
أن تكشفي ساقكِ المفتونِ في شَمَمِ
يا وادي النَّملِ اهدأ فالجيوشُ هنا
فيها سليمانُ من عُربٍ ومن عَجَمِ
هلُمَّ يا هُدهدَ الأخبارِ قُل لَهُمُ
أن الهوى في فؤادي قد جرى ودمي
ياطفلةً سكنت ذاتَ العماد فهل
عادٌ ستهدي لنا قصراً ومن إرَمِ
إيوانُ كِسرى وأسوارٌ مُذهَبَةٌ
في بابلٍ عُلِّقت ، كالنار في عَلَم
***
تلك السفينةُ من نوحٍ وكم حَمَلَت
لمَّااستقرت على الجُودي من أُمَمِ
ياناقةً خرجت من صخرةٍ فإذا
غَدرُ الشقيِّ وذاكَ الشِّربُ لم يَدُمِ
وصاحبُ الحوتِ لولا ذِكرُ خالقهِ
لعاشَ في بطنهِ في حالكِ الظُّلَمِ
وفتيةُ الكهفِ بالإيمانِ قد جُبِلوا
وكلبهم باسطٌ بالبابِ لم يَقُمِ
هل لي بصبرٍ كأيوبٍ بلا جزعٍ
حين ابتلاهُ إلهُ الكونِ بالسَّقمِ
قابيلُ يقتلُ هابيلَ الذي قُبِلَت
أعمالهُ . فمشى يبكي من النَّدمِ
الغدرُ والقتلُ ربُّ الكونِ حرَّمَه
فكيف من إخوةٍ يأتي وذي رَحِمِ
بَعوضَةٌ من جنودِ الله قد بطشت
بِمُلكِ نمرودَ حتى باءَ بالنِّقَمِ
طالوتُ يهزمُ جالوتَ الذي برزت
جنودُه بين ضوءِ الشمسِ والعَتَمِ
وقومُ هودٍ وفي الأحقافِ مسكنُهم
لم يبقَ منهم سوى نقشٍ على رَضَمِ
***
ياليتَ سجنَكَ يالصدِّيقُ يُنقِذني
من كيدهنَّ . فإن القلبَ في أَلَمِ
فلا صُواعَ ولا عندي خزائنُها
ومن سيَفتي لقلبي لوعةَ الحُلُمِ
ومن يُبشرُني فالعِيرُ قد فَصَلت
وسوف نُبصِرُها يوماً على الأكَمِ
يعقوبُ في ألمٍ والحزنُ يقتُله
من الفراقِ ومن ذاكَ البلاءِ عَمِ
ثلاثةٌ من ثيابِ العدلِ خالدةٌ
ثوبُ البراءةِ والبُشرى وثوبُ دمِ
سلوا زليخةَ ما بالُ النساءِ وقد
أحللّنَّ سفكَ دمي في الأشهر الحُرُمِ
فالكيدُ منهُنَّ أمرٌ لا مَردَّ له
فذاك يوسفُ لم يسلم من التُّهمِ
عزيزُ مصرَ من السَّبعِ العِجاف أبى
سِقايتي من مياهِ النيلِ في كرمِ
وردتُ مديَنَ علِّيِ أرتوي . فإذا
بطُورِ سَيناءَ يهديني من الظُّلَمِ
ماكان فرعونُ إلَّا نسلُ طاغيةٍ
من يرتجي عابداً للجهلِ والصَّنمِ
ياليت قارونَ أهدى من خزائنهِ
وجادَ من مالهِ للشِّيبةِ الهَرِمِ
أو ليتَ لي من عصا موسى وقوتِه
حتى أَبِرَّ إذا ما قلتُ في قَسَمي
كلُّ الحِبالِ التى من صُنعِ ساحرهم
قد حوَّلتها يدا موسى إلى رِمَمِ
هارونُ كان وزيراً من فصاحته
وسامريُّ الهوى من خان للكَلِمِ
عيسى ابنُ مريم ربُّ الكون أنطقه
في المهدِ . أخرسَ حقاً ألسنَ التُّهمِ
وأمُّه أحصنت فَرجَ العفافٍ وما
أتت إلى البغيِ قبل الحَملِ والوَحَمِ
***
عن اليهودِ سَلوا التاريخَ ينبئُكم
أنَّ الخيانةَ جُرحٌ غيرَ مُلتَئِمِ
بنو قريضةَ خانوا للرسولِ وكم
بدا لهم بالوفا في حُسنِ مُبتَسَمِ
ضلوا طريق الهُدى في كل ناحيةٍ
عاشوا بذلتهم في مرتع وَخِمِ
***
نارُ البسوسِ وتلك الحربُ من عبثٍ
عادت على وائلٍ بالويلِ والسأمِ
مَهرُ الجليلةِ غالٍ كيف تدفعه
يا تبَّعَ الغدرِ يا من خانَ للذِّمَمِ
حتى كُليبٌ برغمٍ من شجاعتهِ
أتاه سهمٌ وفي وآدي الحَصاةِرُمي
والزيرُ لو نامَ في أحضان غانيةٍ
لكنه عند أخذ الثأرِ لم يَنَمِ
قد كان ابنُ عُبادٍ فارساً وله
رأيٌ سديدٌ جرى في الحربِ والسَّلَمِ
جسَّاسُ أشعلَ حرباً في قبيلته
حلَّت دماراً على كهلٍ ومحتَلِمِ
***
وحربُ داحسَ والغبراءَ مَفسَدةٌ
كأنما العُرْبُ في جهلٍ ولم تَلُمِ
لا عبسَ حازت لنصرٍ في معاركها
وجيشُ ذبيان لم يكسب لِمُغتَنمِ
عاشوا بجهلٍ من الغاراتِ مكسبُهم
وبالفسادِ وما في الأرض من حَكَمِ
جاء التَّتارُ وكلُّ الأرض تلعنهم
كباطلٍ . من جَلالِ الحق مُنهزمِ
***
قِفا لنبكيَ من ذكرى مسطرةٍ
لإمريءِ القيسِ . لمَّا باءَ بالجَذَمِ
جِسرُ الرصافةِ بين الرافدين به
عينُ المها تشتكي يوماً لمُعتصمِِ
بنو هلالٍ لهم من صيتِهم شَرفٌ
يشدو بسيرتِهم من باءَ بالصَّممِ
جيشٌ لِأَبرهةٍ والفيلُ قائدهم
إلى الهلاكِ . بأحجارٍ من الحِمَمِ
طيرُ الأبابيل ما أبقت على أحدٍ
إلا أُصيبَ ولو في عالي القممِ
وابنُ ذي يَزنٍ سيفٌ له شرفٌ
في مُلكِ حِميَر أهل السيفِ والقلمِ
أبادَ زحفاً من الأحباشِ قد مَلَكو
ديارهم في الجبالِ الشُّمِ والتَهمِ
ما كان عنترةُ العبسي وعَبلَتُه
ومهرها مائةٌ حُمرٌ من النِّعَمِ
إلَّا ابنُ جاريةٍ سوداء قد نُبِذت
لكنه فارسٌ … والحرُّ بالقِيَمِ
وابنُ الملوَّحِ مهما قال قافيةً
لم يبلغ المُدَّ من حبي ومن كرمي
كلُّ الصعاليكِ في شامٍ وفي يمنٍ
كتبتهم في دواويني من الخَدَمِ
تَبِعتُ لقمانَ في نُصحٍ وموعظةٍ
فهو الحكيمُ وكم أسدى من الحِكَمُ
***
جاء السلامُ مع الإسلامِ فاندثرت
كل المعابدِ والأصنامِ في وَصَمِ
من يثربِ انطلقت أمجادُ أمَّتنا
في وحدةٍ وسلامٍ غيرُ مُنقسِمِ
في يومِ بدرٍ تباهي الحقُّ منتصراً
على الظلامِ . فبان النورُ في الظُّلم
انهَدَّ كِسرى . و ولى قيصرٌ فإذا
بالرومِ والفُرسِ في عجزٍ وفي عدمِ
من بابِ صنعاءَ باتَ الحقُّ مُنبلِجاً
كالصبحِ حتى أضاءَ الشامُ كالنُّجُمِ
ومن نواصي خيولِ الحق مَكرَمةٌ
لا تنثني من سيوفِ الجهلِ والشَّكَم
سلو المثنى وسعداً عن معاركنا
في القادسيةِ . لا شرطٌ لمنهزمِ
وخالدٌ من سيوفِ الله . منتصرٌ
في كل معركةٍ كم عاثَ في العَجمِ
طغى مسيلمةُ الكذابِ . فانصدعت
نبوةُ الجهلِ . وانزاحت ولم تَقُمِ
بنو أميةَ مِن بعد الخلافة هُم
سادوا البلادَ بلا ظُلمٍ ولا نَهَمِ
وصقرُهم قد سَما في أرض أندلسٍ
فأسسَ المجدَ حتى صارَ في عِظَمِ
وبعدها من بني العباسِ ازدهرت
كل الحضاراتِ في يُمنٍ وفي شأمِ
***
واليومُ مملكتي تزهو بعزَّتها
وقد حَبَاها إلهُ الكونِ بالنِّعمِ
صقرُ الجزيرةِ من أرسى دعائمها
والصقرُ لا يستوى يوماً مع الرَّخَمِ
فحاربَ الجهلَ في عزمٍ وموعظةٍ
ونهجهُ .. برسولِ اللهِ .. يأتَمِمِ
ووطَّدَ الأمنَ والإيمانَ في وطنٍ
فبات ذئبُ الفَلا يرعى مع الغَنمِِ
وجاءَ سلمانُ في حزمٍ فكان له
مهابةٌ سطعت في عالي القِممِ
فكان من صُلبهِ عرَّابُ رؤيتنا
بالحقِّ والعدلِ والإخلاص محتَزِمِ
يسمو كمثل طويقٍ في مهابتهِ
وحاتمِ الطيِّ في جودٍ وفي كرمٍ
وليُّ عهدٍ .. لنا فخرٌ .. بمملكةٍ
تسمو فهيَّا ارقصي فخراً وابتسمي
***
حقٌّ عليَّ أقولُ الشعرَ مُفتخراً
فرمشُ عيني يَراعاً والمِدادُ دمي
نسجتُهُ .. فَسَرى يروي مُعلقتي
ولم يُصَب حينها بالوهنِ والوَجَمِ
أنا ابنُ مكةَ لا أخشى من أبرهةٍ
فالله حصَّنها في الحِلِّ والحَرَمِ
من السعوديةِ العُظمى ولي شَرفٌ
فالمجدُّ والعزُّ والأخلاقُ من شيمي
سعدُ العشيرةِ جدي تلك سيرته
تزهو بعزٍّ . وفيها الفخرُ من قِدَمِ
أهدي معلقةَ التاريخِ مفتخراً
فذاك عشقٌ سرى من شاعرٍ حكمي
أُنزِّهُ النفسَ عن فُحشٍ ومَظلمةٍ
واللهُ يغفرُ ما قد قيلَ من لَمَمِ
سوقي عكاظٌ . وأوراقي مبعثرةٌ
لكنَّ في القلبِ طاقاتٌ من الهِمَمِ
أغوصُ بين القوافي أنتقي دُرراً
من المعاني وما زلَّت بها قدمي
أُصيغُها حُلَّةً في خدِّ كاذيةٍ
تزهو مُنمَّقةً للحاذقِ الفَهِمِ
ختامها المسكٌ . والتاريخُ عطَّرها
بسيرةِ المصطفى . من قادَ للأُممِ
محمدٌ يا رسول الله لي شرفٌ
إذ كان تسميتي فخراً بخيرِ سَمِي
عليهِ أنزلَ قرآناً .. نرتلهُ
ومن تمسكَ بالقرانِ .. يغتَنمِ
تبعتُ سنَّتهُ .. بالحقِّ أسلكها
فهو الأمينُ ومنه أصدقُ الكَلِمِ
من حوضِهِ أتمنى شربةً بيَدٍ
شريفةٍ . ففوادي لللقاءِ ظَمي
صلى عليه إلهُ الخلقِ ما بزغت
شمسٌ وماكبرَ الحجاجُ في الحَرمِ
ابوطلال الحكمي