مقالات مجد الوطن

سَفر

 

محمد الرياني

منذ أن أصابها الهمُّ والحزن لم أرَ سنها المكسورة عندما تبتسم، في لحظاتِ الخلوة أعاتب نفسي لدرجة القسوة لأنني السبب في كسرِ سنها، مزاحي الثقيل ألقى بها على أرض صلبة سلمَ جسدها منها إلا فمها الفاغر من الضحك وهي تجري، بعد أيام زال الانتفاخ من على شفتيها وانثلمت سنها لتفقد بعضها، لم أتوقف عن عادة المزاح معها، شقيٌّ بطبعي خصوصًا مع هذه الصغيرة التي تشبه كرةَ لعبٍ من المطاط تتنقل بخفة، يسألونها عندما تضحك عمن كسر سنها فتجيب هذا ال….، أكتفي بالنظر إليها وتهديدها بكسر سنٍّ ثانية، سافرتُ عنها ولم أفعل لها شيئًا من تهديدي؛ باستثناء وقوف صورتها أمامي في الغربة وهي تضحك بسن مختلف ، تمر الأيام سراعًا، ألهاني العمل المضني عن يوم لا تنساه، أظلُّ أضحك بين جدران أربعة على يدي التي كانت تمتد إليها لتدغدغها حتى أرى جمال ثغرها وسنها التي كسرتها، عدتُ إلى بيتنا بعد سفر طويل لأجدها تقترب مني طولًا، في لحظةِ الفرح عند استقبالي اجتمعوا حولي كلهم وهم يضحكون، بعضهم بأسنان بارزة غير منتظمة، وبعضهم ناتئة تكاد تشق شفتي صاحبها ، لم تستقبلني كما فعلوا، اتجهتُ إليهاومعي كيس أحمر اللون، تعجبها الألوان الحمراء حتى وهي قد رأت دمَ سنّها يسيل على الأرض، طبعتُ قبلة حرّى من الغياب على وجنتيها، دغدغتها كما كنت أفعل فلم تستجب، أردتُ أن أسقطها أرضًا فلم تجزع ولم تتحرك، الأرضُ التي تحتنا لم تعد صلبة كما كانت، يغطيها فرشٌ مخملي، قلت لها :كبرتِ وطالَ شَعرُك يا أختي، تنهدت دون أن تضحك بعد حزن على غيابي، أشارت بيدها أن أفتح كيس هديتها فامتنعتُ حتى أرى سنها المكسورة ، وافقت على أن أنثر أمامها هدية السفر والغياب، احتالت عليّ كما كانت تفعل عندما أطاردها، هددتها بكسر سنها من جديد فابتسمت لي، كانت في غاية الجمال باكتمال أسنانها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى