مقالات مجد الوطن

ذكريات

 

محمد الرياني

قالت له :هل تَذكرُ ظهيرةَ الخميس ؟ زمَّ شفتيه وهو لايريد أن يتذكر شيئا ، كرّرت عليه : ظهيرة الخميس ، لايوجد غيرها …كنتَ مسترخيًا فجاءت إليك النغماتُ تقرع كي توقظك من غفلتك وتعلن الفرح ، امتلأ المكانُ بك وضجَّ وأنتَ لاتعي مايدور حولك ، رقصَ في عينيه المشهد ،عادت إلى ذاكرته الصورة وكأنها قد اختبأت خلف سور من الطين القديم لتعبق الذكريات ، بدأ يعيد لها أحداث الظهيرة ، لوحات الاحتفال وباقات الورد وصور الركض في الممرات هنا وهناك ، حالات الرقص البريء ، الاصطفاف والابتسام كي تكون الصور أحلى ، قال لها في تلك الظهيرة مرَّ أجملُ يومٍ حمل هذا الاسم ، قالت ودفء الحديث يكاد يلهب الجدران : لايوجد شعور يعادل شعوري وأنا أتوِّجكَ وأودعك في آن معًا ، كما أنت ستذهب بحرارة الأشواق أنا سأفعل مثلك ، احتفلتُ بك وأضمرتُ حرارةَ وداعي كي لا يشتعل المكان ، في تلك الظهيرة والموسيقى الحزينة تكاد تتقطع أوتارها كمدًا كنتُ أود أن أعلن لك الحب ولكني لم أفعل ، السريرُ الأنيقُ الذي فاجأتكَ وأنت تعيش أحلامك تخيلته سينشق فرحًا وتتساقط أغطيته وتنكسر قوائمه من هول ما ستشعر به لو أعلمتك ، أرجأت كل ذلك الشعور حتى نبتعد وتذوب حدة الشعور وأعلن لك أنك الذي استلبَ كل مشاعري ، والآن ! هل ستتأخر في الرد وتقول : أي ظهيرة ؟ وعن أي يوم تتحدثين؟
أغمض عينيه ورأى في ثنايا سوادهما من الداخل حركة الرقص والأناشيد الجميلة ولوحة الاحتفال المعلقة ، رأى كل شيء يفرح ، عرضَ عليها أن تسافر معه وتترك الذكريات والمكان وأحلام الظهيرة ، بكت وألقت على الأرض أوراقًا كانت تحملها ، قال له مَن حوله: إن موعد السفر قد اقترب ، مالت نحو جهة الغروب حيث محطتها الأخيرة وتركت أوراقها وبعضَ ألمها ، دنا من الأرض وجثا يستنشق عطر بقاياها ، أغلقوا غرفته بما فيها كي لايعود إليها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى