مقالات مجد الوطن

قراءة نقدية وتحليلية من عبدالصمد المطهري لقصيدة زميله وصديقه طارق يس

………
مقدمة:
يُعرّف الرثاء لغة بأنّه صوت البكاء مع الكلام على الميت، أو صوت الكلام أثناء البكاء على الميت ويُعرّف اصطلاحاً بأنه ذكر الميت وذكر محاسنه ومناقبه وخصاله الحميدة مثل: الكرم، والعفّة، والشجاعة، ووصف الحال بعد فقدانه، وما يحمله من مشاعر وحزن كبير، ويُصنّف الرّثاء على أنه أحدُ ضُروبِ الشعر العربي، وهو أكثرها عاطفةً؛ لأنّ منبعه هو القلب، فكلما زادت الصلة بين الشاعر والشخص الميت زادت قوة القصائد الرثائيّة،
بناء وإيقاع القصيدة:
وهي قصيدة من بحر البسيط
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
وتكون أحيانا متفعلن فعلن مستفعل فعلن
حسب مايصيب التفعيلة من علل جائزة

*مرثية للطالب عبدالعزيز السالمي*
أحد طلابي السعوديين النجباء
رحمه الله وغفر له
ونحن هنا مع قصيدة للشاعر الأستاذطارق يس وهي قصيدة في أحد طلابه تشعرنا بمدى العلاقة بين الطالب ومعلمه والتي مصدرها عاطفة المعلم وتواضعه وكذلك خُلق الطالب تجاه معلمه

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحليل وقراءة النص
ماذا أحدث عن هذا الصباح وقد
عكر الموت صفوًا كائنًا فيه
تبدأ القصيدة باسم الاستفهام ماذا
وهذا يدل على الدهشة الحزينة التي أصابت نفس الشاعر وأثرت في مشاعره وكان الجواب لهذا الاستفهام بأن الموت المفجع عكر صفو حياة وأصبح محتلا لهذا الصفو وكائنا فيه
……….
وجاءني خبرٌ قد جلَّ مسمعه
وجاءني نبأٌ قد حار راويه
ثم يسترسل شاعرنا في بيان الحادثة وتفاصيلها ويُحدّث عن كيف وصله الخبر
حيث أن الخبر جلّ وعظم وكبر ولا تقال كلمة جلّ إلا عند عظم الحوادث فيقال جلّ الخطب
وفي سمعي وقع موقع الألم وجاءني نبأ النبأ عادة يأتي إنسان عاقل كامل الأهلية حتى يصدق ولذا شاعرنا أدهشه الخبر واحتار يصدق من جاء به وكأنه يقول له أحقا حصل هذا وبين الحقيقة والبحث كانت الحيرة ووقع الألم يعمل عمله في السامع وصاحب النبأولنا أن نتصور هول الفاجعة على وقع السامع حتى انتهى الأمر بتأكيده
………………
فكيف يا مَن أتى في الصبح يذكره
فكيف تقدر أن تغدو كناعيه
هنا استفهام بكيف التي يسأل بها عن الحال
وكأن وصول الخبر في الصباح له وقع آخر فأخبار الصباح تأتي بعد ليلة هادئة من النوم والاستقرار فتكون الأخبار المفاجئة منغصة ومكدرة خاصة إذا جاءت في الصباح الذي نستبشر فيه بالأخبار الجميلة وننتظر السرور
ولكن عندما تأتيك أخبار مزعجة تتحول الصورة من مشرقة إلى قاتمة ولذا شاعرنا يقول ويستفهم مرة أخرى فكيف تقدر وتستطيع أن تغدو كناعيه وماهذه الاستفسارات بكيف الاستفهامية الحالية إلا للحيرة التي أوقعها خبر ذلك الصباح وماحمله صاحب النبأ من ألم وكأنه حمل إليه ثوب ورماه على وجهه ولكن الثوب لم يك ثوب بشرى وإنما ثوب حزن وألم وفاجعة لمكانة الطالب في نفس وقلب معلمه…
…………….
فحارتِ الأعين المفتوحة الحدقاتْ
وأُفجع القلب من حزنٍ يداريه
هنا ندخل في صورة تتجسد فيما وراء سماع ووقع النبأ المؤلم وأظهرت كيف تدفق الحزن من لواعج نفس حزينة ومن العمق لتلك الحدقات المفتوحة التي دائما نعرف من خلالها ما يعتصر الجوف من مشاعر فنقرأه من خلال دموع العيون والتي كما قلنا هي نتيجة فجيعة القلب والنفس الكلومة والمشاعر المتكدرة وهنا امتنعت أساليب المدارة وأصبح الحزن الداخلي يبديه الدمع…
…………………
فهذه ثلةٌ من صحبه وجمت
وألجم الموت فصلًا كان هاديه
هنا في هذا البيت يعزز شاعرنا العلاقات ويظهر لنا مدى الصلة بينه وبين الطالب ومجموعة ممن كانوا يحيطون بهما فيقرر لنا بأن الفاجعة شملت كل المجموعة وهو أحدهم والقصد أن يبين لنا الحالة وسير الحدث وبداية التعارف وكذلك ليظهر بأن هذا الموت ألجم وحبس وسد ومنع هذه العلاقة وأنهى فصلها وأغلق أبوابها وأصبحت من الذكرى والتي بلاشك ستحتفظ بأجمل مافيها وحتما ستختم بختم شمع محرق وتصلب في إرشيف الزمن
…………………..
فصحبه هرعوا من هول ما سمعوا
ورددوا القول في استغفار باريه
هنا أيضا يرسم شاعرنا ملامح مابعد وصول الخبر فهؤلاء الزملاء من المحيطين والبعيدين كلهم هرعوا وهرولوا في كل مكان في مشهد مؤلم وحيرة ودهشه ولما قرت الأنفس المصدومة هرعت للذكر والدعاء والاستغفار للميت والتوسل عند الله له بالرحمة والمغفرة
…………………
وأجهش القلب ملتاعا لموتته
وصيّر الدمع يهمي من مآقيه
هنا مشهد النفس الحزينة والقلب المكسور الباكي ونهاية الحزن هو الدمع فلن يكف الدمع جريانه مادام في القلب حُمّةٌ وحزن وألم وكل هذه الأحاسيس المادية والمعنوية مصدرها عظم الخطب وهوله ومكانة المتوفى
………….
وظللَ الحزن يوما في مدارسنا
وضللَ الموت ركبًا كان حاديه
هنا صورة جديدة بأنه بسبب مكانة الطالب في النفوس المحيطة ومنها مدرسته وربما ماحولها من المدارس وأحسبُ شاعرنا أراد كل التعليم ليضفى من الحادثة جلالة وعظم لهذا والتي نتج عنها الموقف الحزين من الجميع
………………
عبدالعزيز أما طاب المقام هنا؟
فدارنا تلفظ المحبوب ترديه
هنا الشاعر صرّح بالاسم الصريح في تسأؤل واستفهام طلبي رغم أن الجواب لن يكون من الميت ولكن من مشاعر الشاعر والذي جلجله
بعض هول الألم وبصورة تسخط حينما جعل الموقف تلك الدار التي احتضنته وكأنها تلفظه نحو الموت لترديه وتلفظ هنا تذكرني بلفظ الحوت لسيدنا يونس
………………….
ودارنا تقتل الخلان تفرقةً ودارنا قُلَّبٌ لا خالدا فيه
هنا واصل الشاعر تصوير تبعات الحادثة ومازال يرمي بالسبب واللوم على الدار رغم أنها جامدة لامشاعر لديها ولكنه ألبسها وحمّلها السبب نتيجة عظم ما حدث وأثره النفسي وكأن التفرقة حاصلة لامناص مادام غادر داره ذلك الراحل وكما قال ودارُنا قُلّبٌ
وقُلّبٌ جاء بها الشاعر للمبالغة في هول الحادثة حيث تعني قُلّبٌ هذه هزّةٌ وحركة عنيفة حدثت وكان الدار قّلبت مابداخلها وأخرجته مثل الزلزال كقوله تعالى (إذا زُلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها)
ذلك كله لهول وعظم وقع الحادثة الذي أوصلنا لهذه التشبيهات …..
………………
عبدالعزيز ،وما في الموت من عجب
فالموت درب وكل الناس يمشيه
هنا تراجع قليل وخروج لبعض الوقت من دائرة ودوّامة الحزن ليطل الشاعر برأسه منها
وكأنه ينفث آهاته ويقول الموت ياعبد العزيز ليس موقف نتعجب منه فهو حاصل لامناص لنا منه وسيشملنا نحن البشر جميعا ….
……………….
لكنما عجبي من فتيةٍ وُتروا في فقد حِبًّ لهم قد فُض ناديه
هنا يبين لنا الشاعر سبب تعجبه مما حدث
ويقول إنما تعجبي ليس من الموت وإنما مما تبع الحادثة ومانتج عنها حيث حولك فتيان كُثُر عبرعنهم بكلمة وتروا لبين لنا بأنهم بعد كانوا مجتمعين حوله تفرقوا وأصبحوا أوتارا
وأشتاتا وانفض النادي الذي كان المتوفى سبب في تجمعهم
……………….
فالموت حتمٌ أكيدٌ سوف يدركنا
والموت ختمٌ لنا ،حقا نلاقيه
هنا ختام جيد ومميز ختم به الشاعر ليدل على قوة إيمانه بحتمية القدر والموت وأنه لامفر لبشر من الموت وأنه مدرك لهم ولابد من المواجهة والملاقاة ولو أن البشر لاتحبه وتفر منه ولكنه كما قال الله (قُل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم
ــــــــــــــــــــــــــ
القصيدة مرثية رائعة مؤثرة جدا في عواطف المتلقي واشتملت على مفردات جميل
القصيدة مرثية رائعة مؤثرة جدا في عواطف المتلقي واشتملت على مفردات جميلة اختارها شاعرنا لتناسب هول وجلالة الحادثة
منها كلمة جلّ وكلمة ناعي وكلمة ألجم وكلمة وُتروا وكلمة قُلّبٌ
اشتملت القصيدة على تشبيهات وجماليات بلاغية تشتشعرها من الأحداث مثل قوله وجاءنى نبأ وهي تشبيهات كثيرة في القرآن ارتبطت بالنبأ والأنباء وكذلك ودارنا تلفظ من تشبيه الدار بلفظ الحوت لسيدنا يونس
وكذلك لفظ الدار لعبد العزيز ممايدل لمقدار ذلك الطالب في قلب استاذه وزملائه
القصيدة لأهمية وجلل الموقف كثيفة الصور
الإيقاع والبناء كان جيدا ومؤثر …
……….
تأثير القصيدة وجماليات العاطفة فيها
تجلت في القصيدة قوّة وعمق المعاني والعاطفة المتدفقة في أبيات القصيدة بشكل كبير، واشتُهر الرثاء عند العرب بشكل كبير ومازال لعصرنا الحالي لما يحمله من تخليد للميت وإبقاء ذكره على ألسن الناس كلما ذكروا ما كُتب فيه من قصائد ورثاء.

…………..
ملحوظة وممارأيت لو استعاض الشاعر بالحدق عن الحدقات حيث أن الحدق ستجمع الكثير والحدقات تقليل والحدق يحتاج لإظها الفاجعة على الكثير
وأرجو أن أكون قد وفيت لأخي الشاعر والنحوي الكبير طارق يس ومشاركته الحزن
عبدالصمد زنوم المطهري
*طارق يسن الطاهر*
*الطائف*
*1998*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى