مقالات مجد الوطن

المنديل

 

محمد الرياني

يمشي في المطارِ هائمًا بين المركباتِ المتحركةِ والمتوقفةِ على جانبي الطريقِ وفي المواقف ، جاءَ يبحثُ عنها وهو يبكي بصمت ، ينظرُ بين زجاجِ صالةِ المغادرةِ إلى الطائراتِ الجاثمةِ التي جاءت واحدةٌ منها لتحملَها ، أخذَ يدعو بحرقةٍ بأن تتأخرَ الطائرةُ في الإقلاع ، أو تمتنعَ عن أخذِها دون الآخرين ، عرفَها من عينيها الباكيتين عندما قدمت في مركبةٍ سوداءَ فازدادتْ وحشتُه وتأزمتْ حالتُه، رأى سوادَ المركبةِ مثلَ ثوبِ الحزينة ، رمت له منديلًا ممتلئًا بالدموعِ واختفتْ بين جموعِ المغادرين، سقطَ في المواقفِ ليلتقطَ المنديلَ المعطَّرَ بدموعِها فأغرقَه دموعًا، أرادَ أن يلتحقَ بها ليرميها بأحزانِه التي خلفتها، اخترقَ الصفوفَ ليلتحقَ بالطائرةِ فاعترضوه لأنه لم يكن يحملُ وثيقةَ السفرِ أو هويتَه التي تفصحُ عنه ، كانت آخرَ مَن يغادرُ البوَّابةَ إذ تعمدتِ الوجعَ وآلامَ الفراق، عادَ وهو يمسحُ دموعَه بالمنديلِ المبتلِّ بماءِ عينِه وعينِها، وقفَ على الرصيفِ يريدُ مَن يحملُه دون أن يحدِّدَ وُجهته ، طارتِ العناوينُ من رأسِه مثلَ الطائرةِ التي حملتْها بينَ السحاب ، أغمضَ عينيْه لتبلتعَ الدموعَ ويرتدَّ إليه بعضُ وعيه، وصلَ إلى غرفتِه بعد عناء، قلَّبَ أوراقَها القديمةَ التي بعثتْها إليه، قرأ كلماتِها حرفًا حرفًا، وجدَ بعضَ أوراقِ الوردِ الجوري التي أهدتْها إليه وقد اقتربتْ من التحلّل، أخذَ ظرفًا قديمًا للرسائلِ يحتفظُ به ووضعَ فيه المنديلَ والأوراقَ الذابلة، أغلقَ عليهما الظرفَ الأزرقَ ثمَّ وضعَه تحتَ رأسِه وأغمضَ عينيه ، نامَ بسرعةٍ فرآها في الحلمِ لاتزالُ تمسحُ عينيْها بمنديل آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى