مقالات مجد الوطن

آية و فنار

يبدأ الله تعالى سورة المؤمنون بآيات تتحدث عن صفات المؤمنين.
يقول تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4).
سمع عمر بن الخطاب يقول : كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، يسمع عند وجهه كدوي النحل فمكثنا ساعة ، فاستقبل القبلة ورفع يديه ، فقال : ” اللهم ، زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر [ علينا ، وارض عنا ] وأرضنا ” ، ثم قال : ” لقد أنزلت علي عشر آيات ، من أقامهن دخل الجنة ” ، ثم قرأ : ( قد أفلح المؤمنون ) حتى ختم العشر .
والمعنى قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح ، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف التالية في الآيات :
١- يصلون و هم خاشعون أي خائفون ساكنون، والخشوع خشوع القلب.
وقال الحسن البصري : كان خشوعهم في قلوبهم ، فغضوا بذلك أبصارهم ، وخفضوا الجناح .
وقال محمد بن سيرين : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة ، فلما نزلت هذه الآية : ( قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون ) خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم .
والخاشع في الصلاة إنما يخشع بتفريغ قلبه وحشد حواسه و قلبه للصلاة والاتصال بالله تعالى ولذلك هي قرة عين لمن خشع.
٢-(والذين هم عن اللغو معرضون ) أي : عن الباطل ، وهو يشمل الشرك والمعاصي وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال.
٣-ويقدمون الزكاة و يفعلونها و قيل أن الزكاة المقصودة هي زكاة الأموال و قيل أنها زكاة النفس من الشرك و الدنس.
٤-الذين حفظوا فروجهم من الحرام ، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط ، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم ، وما ملكت أيمانهم من السراري ، فمن ابتغى غير الأزواج والإماء ، ( فأولئك هم العادون ) أي : المعتدون .
٥-الراعون للأمانة إذا اؤتمنوا لم يخونوا ، بل يؤدونها إلى أهلها ، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك ، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان”.
٦-المواظبون على الصلاة في مواقيتها ، كما قال ابن مسعود : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أي العمل أحب إلى الله؟ قال : ” الصلاة على وقتها ” . قلت : ثم أي؟ قال : ” بر الوالدين ” . قلت : ثم أي؟ قال : ” الجهاد في سبيل الله ” .
وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة ، واختتمها بالصلاة ، فدل على أفضليتها.
ولما وصفهم الله تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال : ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون )
وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وفوقه عرش الرحمن”.
عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما منكم من أحد إلا وله منزلان : منزل في الجنة ومنزل في النار ، فإن مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله ، فذلك قوله : ( أولئك هم الوارثون ) .
وبعد..
فهذه الصفات الجميلة و الأفعال التي تكسبك صفة وعنوان المؤمن..
و يلاحظ أنها تتنقل بين إيمان وعبادة وبين قيمة و خلق، فالمؤمن هو المصلى الخاشع وهو المعرض عن اللغو، وهو الفاعل للزكاة وهو مؤدي الأمانة وحافظ العفة ، ليؤكد على أهمية الأخلاق وجعلها مقترنة بمصاف شعائر التعبد و الإيمان.
والصلاة، تلك الأيقونة المتقدة التي لا تلبث ان تشتعل كفنار يضيء الدجى فهي الملاذ حين تنقطع الملاجئ وتشح الحسنات.
نسأل الله جنة الفردوس وماقرب إليها.

د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى