مقالات مجد الوطن

17 روايتي: شرارة وبناتها حرائق!!

 

شعر (أيوب) بدوار فمال قليلًا حتى كشف عن كسرة زجاجية سميكة منفوخة نصفها مغمور في خاصرته وبقيتها ظاهر يلمع ويقطر دمًا، “كن حذرًا” قالها صديقه (المتوهم)، بيد أن (أيوب) أشار إليها سائلًا إياهم ودون أن يلمسها: “هل ألم هذه انساني ألم الم بي أم كنت جثة هامدة لا تحس يقتات منها الضربان حتى يشبع؟”

ازداد ميلان (أيوب) إلى أن انهار على نفسه كبيت عبث في مكوناته الأساسية، تغيرت حرارته فتمدد وانكمش.. حمل ثقلًا زائدًا على طاقة تحمله مما سبب له انعكافًا والتواءً وتشويهًا للحد الذي كور ذاته كالكرة تقريبًا حول القطعة الزجاجية. أجبرته حالته المتضعضعة أن يضغط عليها، أوجعته، فأفترش الأرض.
خلد للاسترخاء بعد أن أسدل على وجهه ستار التعب والاعياء.
زحفت نحوه من مخلفات الغارة غنيمتين وأحاطت بجانبيه، كانتا تلك الغنيمتين عبارة عن صديقه (المتوهم) وصديق صديقه (المنصدم).
شق (المتوهم) قميصه الصيفي القطني، وناول لصديقه (المنصدم) قطعة منه، ثم قال له:
– هيا أسرع، أجتز ثوبه، وحاول أن تنتزع الزجاجة من خاصرته ثم اربط على الجرح بما قطعته من قميصي حتى توقف النزيف.
رد عليه (المنصدم):
– لا.. فلو حركتها سيكون ضررها أكبر ومضاعفاتها خطيرة عليه.
سأل (المتوهم):
– وماذا نفعل إذن؟
أجاب (المنصدم):
– لا شيء غير التريث والصبر، فضابط الإسعاف يدور حولنا ومن المؤكد إنه على مقربة منا.
عقد (المتوهم) حاجبيه وزم فمه، أخذ بقضبته حفنة من الطين المبلل الرطب، تسربت من بين أصابعه، ثم صرخ بإتساع فمه: أيوووووووووووووووووب
كانت صرخته عبارة عن ردة فعل حكت في صدره، وأطلقها كصافرة الإنذار نبهت المسعفين واستدعتهم بلسان حالٍ يقول: ساعدونا فالخطر وقع هنا.
أقبلوا الممارسون عليهم، تفحصوا إصابة (أيوب) وقاموا بالإسعافات الأولية له وعلى الفور حملوه على نقالة الطوارئ واتجهوا بأقصى سرعة صوب المستشفى.
دخل (أيوب) المشفى وهو في حالة يرثى لها، كان يرقد على السرير الأبيض والممرض يدفعه بعجلة وهو متوخيًا حذره إلى أن وصل به غرفة البنج، كان التبنيج مزاولة إلزامية لابد أن تنفذ قبل تنفيذ قرار الطبيب المختص حول أي إجراء لعملية جراحية تتطلب التخدير كاملًا أو موضعيًا.
وقف (المتوهم) ينظر إليهم من خلال نافذة زجاجية مستطيلة صغيرة مركبة في منتصف الباب الموصد من الداخل ومجموعة من الأطباء ملتفين حول (أيوب)، وبعد ثوان فتح أحدهم درفتي بابًا أخر على مصرعيها، سحب سرير (أيوب) إليه وولج الباقيين خلفه، ومن ثم أغلق الباب عقبهم.
ظل (المتوهم) واقفًا إلى أن خارت ساقاه وضعف، أناخ بالمكان مستندًا على حائط غرفة العمليات المحكمة الإغلاق، كانت الصالة على غير ما اعتادت عليه من برودة، فضعف تيار الكهرباء ولد رطوبتها، وبينما كان (المتوهم) ينتظر لم يستطع سوى أن يفكر، قاده أمس الأمس كالأعمى، فك له بوابته كي يطل على المهجور البعيد، ولج فيه بنفس منصاعة وذهن عائم في لجة أول لقاء معرفي جمعه بأيوب.
فتح الستار على مشهد تصارع الأمواج العاتية وهي تتقاذف قاربًا خشبيًا صغيرًا إلى أن انتهت وقد جرفه تيارها ثم القى به على الشاطئ محطمًا، ولفظ منه على بعد سنتيمترات يسيرة شاب وسيم متشبثًا بإحدى مجدافيه، كان الشاب مسجيًا على الرمل والمجداف ممددًا فوق وجه على شكل خط مستقيم مائل وحوله بعض القطع الخشبية المتبددة.
تقدم (المتوهم) نحوه، أبعد عن رأسه المجداف، ناداه “هه انت هه.. استيقظ” ثم هز كتفه الأيمن، ولم تحدث استجابة منه، قلبه على بطنه ورفع قدميه من عند منطقة الظهر وبعد ذلك ضغط على صدره وعندما دنا بفمه وأوشك أن يمرر أنفاسه كي يحرك جهازه التنفسي صناعيًا، التقط الشاب بقضبته اليسرى القوية عنق (المتوهم) وراح يضغط عليها محاولًا خنقه، تألم (المتوهم) وبالكاد كان يلتقط أنفاسه إلا أن حظه الحسن انقذه حين هرع إليه رفيقه (المنصدم) الذي يلازمه ولا يفارقه إلا عند مرقده، فبعدما اشترى (المنصدم) بطانية وملابس جديدة من كشك صغير بالجوار خصص لبيع مستلزمات السباحة والصيد، شرع في السير إليهما، وحين رأى ما رأى بينهما ركض وشق الأرض راميًا خلفه بكل حمولته.
أفلح في عدوه وانحنى في منتصفهما لفض الاشتباك ومع عملية المقاومة لكلا الطرفين، طرد الشاب من رئتيه المفعمة المياه المالحة في وجه (المنصدم)، وفي التو أرخى يده لتتمرغ مرة أخرى في الرمل، فقد وعيه ولم يعد يشعر بشيء.
هكذا أخذ الأكسجين مجراه الطبيعي وأنهى (المنصدم) ما وقع بينهما من شد وسوء ظن مستعر.

الروح/ صفية باسودان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى