مقالات مجد الوطن

قصة قصيرة مُكافأة نهاية الخدمة الجزء (٦)

 

بقلم/ أحلام أحمد بكري

مدينة /جازان

………

أن تكون الحصة بعد انقضاء وقت فسحة الإفطار فهذه الكارثة بعينها ، يتزامن دخولي الفصل بعد وجبة الإفطار معناها انتفاضة وثورة تنظيف شاملة كاملة للفصل وتنظيمهُ وإعادة لوضعهُ السابق من جديد..

.

أُلقي التحيّة والكل يصارع الفوضى من حوله ، ثامر يهرول تجاهي مشتكياً ، فقد أخذ جابر جزء من إفطارهُ ، أنا مضطرة أحقق مع جابر و أسألهُ ..

وبحدة أنادي عليه لأقول لهُ: لماذا أخذت من إفطار ثامر دون أن تستأذنه يا جابر..!؟

قال بأسى : لا يوجد لدي إفطار .!

قلتُ لهُ : هذا ليس عذراً يا جابر ..!

لماذا لم تشتري من مقصف المدرسة إفطار..؟!

قال بصوت منخفض : لم أجد نقودي كانت في جيبي ولا أعلم أين أختفت..!

قلتُ لهُ : أولاً عليك بعد ذلك أن تخبرني بفقدانك للنقود أو تُخبر المعلمة التي كانت بالفصل أثناء شرائكم الإفطار من عاملات المقصف ؛ ونحن نتصرف ونحضر لك إفطار ، وثانياً لا تأخذ من إفطار زميلك إلا بعد أن تستأذنه ، يجب أن تتعلم الاستئذان قبل أن تأخذ أغراض من زملائك..

قال لي : حاضر يا أستاذة ..

مسحتُ على رأسهُ واتجهتُ صوب ثامر لأقول لهُ معتذرةً : زميلك جابر فَقَد نقوده وكان يريد أن يشاركك الإفطار ..!

وأنت يا ثامر كريم ، وجابر يستحق منك أن تُكرمهُ بمشاركتك الفطور ..

.

تعال يا جابر و أعتذر من ثامر ، وقل لهُ كان يجب عليّ أن أستأذن قبل أن أخذ شيء من إفطارك وأشكره على الإفطار ..

.

تركتهما يتحدثان ورفعت رأسي لأرى ما يحدث في بقيّة الفصل الذي يعُج بالفوضى من بقايا الطعام وقناني المياه والعصير والمناديل المتناثرة على الأرض وفوق الطاولات المختلطة بالأدوات المدرسيّة والكتب..

.

قلتُ بصوت عالي تحفيزاً ، أيها الطلبة : النظافة من الايمان والله جميل يحُب الجمال ، هيا بنا نُنظف الفصل ؛ لنبدأ درسنا على نظافة..

وأردفتُ قائلةً : أين سلّة المهملات ..؟

قفز أحد الطلبة جاذباً سلّة في أول الفصل وأحضرها لي قائلاً : أستاذة أنا أُريد أن أساعدك في تنظيف الفصل ، وقد تعجبتُ من سرعة بديهيتهُ وشهامته عندما وضع السلّة على الأرض وكفكف أطراف اكمام ثوبه و بدأ يطوف بالسلّة على زملائه طالباً منهم إلتقاط المهملات من الأرض لوضعها بالسلّة ..

رأيتُ فيه بهذا التصرف قائداً صغيراً ينتظرهُ مستقبل كبير ..

.

قطع طالب آخر ملاحظاتي وذهولي من زميلهُ قائلاً لي : أستاذة نحتاج سلّة مهملات كبيرة وأريد أن أُحضر السلّة الكبيرة التي بالخارج ..!

نظرتُ بانبهار وقلتُ له : وهو كذلك أحضرها..!

فخرج مسرعاً متحمساً لجلبها ..

.

التفتُ بسرعة على صوت أحد الطلبة صارخاً يقول لزميلهُ: أنت كسول ، لماذا لا تقوم بتنظيف مكانك..

ليرد عليه الآخر : أنا لا أقوم بالتنظيف فهذا عمل -الشغّالة- ..

وبحركة لا إرادية سريعة صفعهُ زميلهُ على قفاهُ قائلاً له : نظف مكانك -الشغالة- بالبيت..!

.

اتجهتُ لهم مسرعةً و ضاحكةً بذات الوقت من الموقف ، ممسكة بالطالب المنزعج من كسل زميله قائلة لهُ : حرصك على نظافة الفصل بادرة جميلة منك ، ولكن لا يحق لك أن تمُد يدك على زميلك لتصفع قفاه ، إعتذر الآن وأطلب منه بأدب تنظيف مكانه ..

قال وهو غاضباً : لا يُشارك بتنظيف مكانهُ وأعتذر منه ..؟!

قلتُ : نعم إعتذر ..

قال على مضضٍ لزميلهُ : أنا آسف ، يجب أن تنظف مكانك لو سمحت..

قلتُ له : هذا جميل منك وأسلوب راقي ..

.

ألتفتُ بقوة وحدة للآخر قائلة له : يابُني يجب أن تُشارك بترتيب وتنظيف المكان الذي تتواجد به ، سواء بالمنزل أو المدرسة أو أي مكان آخر ، فهذا عمل خاص بك أنت ، لا شأن لعاملة المنزل ولا والدتك به..

نظافة ملبسك وأناقة مظهرك يجب أن تدفعك لجعل المكان من حولك نظيف ، فشارك – بارك الله فيك – بنظافة الفصل ..

رد مبتسماً : حاضر يا أستاذة..

.

أستغرق تنظيف الفصل وترتيبه واعادة كل طالب بمكانه للشروع بالدرس ما يُقارب العشرون دقيقةً من زمن الحصة ، كان الفصل خلالها كخليّة نحل متحرك أثناء التنظيف ..

لاحظتُ ستةً من الطلبة كانوا على محمل القيادة و الشهامة و-الفزعة- أثناء التنظيف ، أردتُ تحيّتهم وشكرهم على مبادرتهم الرائعة ، فطلبتُ منهم النهوض ، فوقفوا جميعهماً..

قلتُ للطلبة: تصفيق كبير لزملائكم المشاركين بعمليّة التنظيف والترتيب ، صفق الطلبة بحرارة ، قابلها بالجانب الآخر ابتسامة وفرح وشعور بالفخر من قبل الطلبة الستة..

قلتُ لهم مبتهجة عرفوني على أسمائكم قالوا بصوت واحد (محمد)..

.

قلتُ بصوتٍ عالٍ: الله الله الله..

لاتذكر بعدها قصيدة نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي الذي يقول فيها:

مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ

وَبُغيَةُ اللَهِ مِن خَلقٍ وَمِن نَسَمِ

وَصاحِبُ الحَوضِ يَومَ الرُسلِ سائِلَةٌ

مَتى الوُرودُ وَجِبريلُ الأَمينُ ظَمي

سَناؤُهُ وَسَناهُ الشَمسُ طالِعَةً

فَالجِرمُ في فَلَكٍ وَالضَوءُ في عَلَمِ قَد أَخطَأَ النَجمَ ما نالَت أُبُوَّتُهُ

مِن سُؤدُدٍ باذِخٍ في مَظهَرٍ سَنِمِ..

اللهم صلّ وسلم على نبينا محمدٍ..

.

وضحكتُ بعدها لأتذكر أن الستة كلهم داخل الفصل يحملون اسم (محمد) ، وأنني وقعتُ في فخ التفريق بينهم مرة أخري في هذا الفصل ، بعد أن أجهدتُ نفسي بالتفريق بين جميع (عبدالرحمن) بالفصل الثاني بصعوبة بالغة..

…………

يُتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى